للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخطبة أخرى: أيها الناس، أين الوليد، وأبو الوليد، وجدّ الوليد، أسمعهم الداعي، واسترد العواري؛ فاضمَحَلَّ ما كان كأن لم يكن، وذهب عنهم طَيِّب الحياة، ففارقوا القصور، وسكنوا القبور، واستبدلوا بلين الوطاء خَشِن التّواب، فهم رهائنه إلى يوم المآب، فرحم الله عبدًا مَهّد لنفسه، واجتهد لدينه، وأخذ من الاستعداد بحَظّه، وعمل في حياته، وسعى لصلاحه ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيرٍ مُحْضَرًا﴾ [آل عمران: ٣٠] (١).

ومن أخرى: أيها الناس، إن الله جعل الموت حتمًا سبق به حُكمُه، ونَفَذ به أمرُه؛ لئلا يطغى المُتَكَبِّر، ويَمدَّ عُنقه المتجبِّر، ألا وإن الله جعل الدنيا دارًا لا تقوم إلا بأئمة العدل ودعاة الحق، وإن لله عبادًا يُملِّكهم أرضَه، ويَسوس بهم عبادَه، ويُقيم بهم حُدودَه، وقد أصبحت في هذا المقام الذي أنا غير راغبٍ فيه، ولا مُنافس عليه، ولولا أن الخلافة تُحفةٌ من الله لتمنَّيتُ أن أكون كأحدكم، وما هو إلا العدل أو النار (٢).

ذكر وفاته:

قال أبو بكر بن عبد العزيز بن الضحاك بن قيس: لشهد سليمان جنازةً بدابِق، فدُفنت في حقل، فجعل سليمان يأخذ من تلك التُّربة ويقول: ما أحسن هذه التربة، ما أطيب ريحها! فما أتى عليه جمعة -أو كما قال- حتى دُفن إلى جانب ذلك القبر (٣).

واختلفوا في سبب وفاته [على أقوال؛ أحدها:] قال الشعبي: ما زال سليمان بعد وفاة ابنه أيوب يذوب ويَنْحل حتى مات كَمَدًا.

وقال المدائني: أتاه دِهقان بدابِق ومعه زِنبيل مملوء بيضًا، وآخر مملوء تينًا أخضر، فقدَّمه إليه، فجعل يُقَشِّر البيض ويأكل كل بيضة بتينة حتى أتى على الزِّنْبيلين، ثم أتوه بقَصْعَةٍ مملوءة مُخًّا مخلوطًا بالسُّكَّر فأكل الجميع، وكان قد أكل قبل التين والبيض والمخ ثلاث مئة وستين شاهلوكة -وهي عين البقر- فأُتخم ومرض ومات (٤).


(١) بعدها في (ص): وله خطب كثيرة، ذكر وفاته.
(٢) "المنتظم" ٧/ ١٤ - ١٥.
(٣) "تاريخ الطبري"٦/ ٥٤٩.
(٤) "أنساب الأشراف" ٧/ ٥١، و"العقد" ٤/ ٤٣٠.