للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم سار حتَّى قدم على عمر في شهر رمضان، فقال: متى خرجتَ من خراسان؟ فقال: في رمضان، فقال: صَدق مَن وصفك بالجَفاء، هلَّا أقمت حتَّى تُفطر ثم تخرج.

وفي رواية: أن الجراح لما قدم خراسان كتب إلى عمر: إنِّي قدمتُ خُراسان؛ فوَجدتُ بها قومًا قد أبْطَرتْهم الفتنة، فهم ينزون فيها نزوا، أحبُّ الأمور إليهم أن يعودوا فيها ليمنعوا حقَّ الله، فليس يكفّهم إلَّا السيف والسوط، وكرهت الإقدام على ذلك إلَّا بأمرك.

فكئب إليه عمر: يا ابن أمِّ الجَرَّاح، أنت أحرصُ على الفتنة منهم، لا تضربنَّ مُسلمًا ولا مُعاهدًا سوطًا إلَّا في حق، واحذر القِصاص؛ فإنَّك سائر إلى مَن يَعلم خائنةَ الأعين وما تُخفي الصدور، وتقرأ كتابًا لا يُغادر صغيرةً ولا كبيرة إلَّا أحصاها، والسلام.

ثم عزله وولى عبد الرحمن بن نُعَيم القُشَيريّ (١) بعد أن استشار أصحابه فأشاروا به، فولاه وكتب إليه:

أما بعد، فكن عبدًا ناصحًا لله في عباده، ولا تأخذك في الله لَومةُ لائم؛ فإن الله أولى بك من النَّاس، وحقُّه عليك أعظم، وإياك أن تميل إلى غير الحقِّ أو قولِ غير أهل الأمانة والنَّصيحة، فإن الله لا تخفى عليه خافية، ولا مَلجأ من الله إلَّا إليه.

فأقام عبد الرحمن على خراسان حتَّى مات عمر وقُتل يزيد بن المهلَّب، وعَزله مسلمة بن عبد الملك، وولاها لسعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحَكَم، فكانت ولايته أكثر من سنة ونصف، وليها في رمضان سنة مئة، وعُزل عنها سنة اثنتين ومئة.

وفي هذه السنة كان أول دعوة بني العباس، قال علماء السير: بعث محمد بن علي بن عبد الله بن عباس من أرض الشَّراة جماعةً إلى خراسان دعاةً لبني هاشم؛ منهم أبو عكرمة السَّرَّاج، وأبو محمد الصادق، ومَيسرة، وعلى خراسان الجَرَّاح بن عبد الله الحَكَميّ لم يكن عُزل بعد، فأمرهم بالدُّعاء إلى أهل بيته، فأوصلوا الكتب إلى أربابها


(١) في النسخ: عبد الرحمن بن عبد الله القشيري، وهو خطأ، والمثبت من الطبري ٦/ ٥٥٨، و "المنتظم" ٧/ ٥٧.