للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الربيع بن أنس: كانت حَبْرون لجبَّار يقال له: عَفْرون، ومسكنه حِبْرَى، فاشتراها منه إبراهيم بأربع مئة درهم، واشترط عليه عَفرون كل درهم وزن خمسة دراهم، كل مئة منها ضرب ملك، فلم يقدر عليها، فجاءه جبريل بها، فقال عفرون: من أين لك هذه؟ فقال: بعث بها إليَّ خليلي رب العالمين مع أمينه على وحيه جبريل، فأسلم عفرون على يده. وجعلها إبراهيم لمن مات من أهله، فماتت سارَة فدفنها بها.

وروى مقاتل عن أبي إدريس الخولاني قال: لما أراد الله سبحانه أن يقبض روح إبراهيم أمر ملَك الموت أن يتلطَّف به، فجاءه في صورة شيخ ضعيف يرتعش، فقدَّم له طعامًا، فجعل الشيخ يأخذ اللقمة ليدخلها في فيه فيدخلها في عينه أو أذنه أو أنفه. وكان إبراهيم قد سأل ربَّه ألا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأل ربَّه الموت، فقال للشيخ: ما الذي بك؟ فقال: الهرم، قال: كم أتى عليك من السنين، فذكر مثل سني إبراهيم إلا سنة (١)، فقال إبراهيم: قد بقي لي سنة وأصير مثل هذا، اللهم اقبضني إليك، فقام الشيخ فقبضه.

وذكر عبد الله بن أحمد عن أبيه قال: حدثنا الصَّلت بن مسعود بإسناده عن كعب الأحبار، وذكر بمعناه، وأن إبراهيم كان في كرم وقدَّم للشيخ عنبًا، وذكره.

وبهذا الإسناد عن كعب قال: كان إبراهيم يقري الأضياف، فأبطؤوا عليه، حتى إنه استراب بذلك، فخرج إلى الطريق فطلب ضيفًا، فمرَّ به ملَك الموت في صورة مسكين، فانطلق به إلى البيت فرآه إسحاق فعرفه فبكى، وبكى إبراهيم، وبكى ملَك الموت لبكائهما. ومضى ملك الموت، فقال له إسحاق: يا أبةِ أوصِ فما أرى أجلك إلَّا قد حضر، وهذا ملك الموت.

وحكى السّدي عن أشياخه قال: كان لإبراهيم بيت يتعبَّد فيه ولا يدخله غيره، فجاءه ملك الموت فدخله، فجاء إبراهيم فقال: كيف دخلت بيتي بغير إذني؟ فقال: ما دخلت إلَّا بإذنٍ، فعرفه، فقال: أرني الصورة التي تقبض فيها أرواح المؤمنين، فأراه إياها، فقال له: اقبض، فقبضه، وصعد بروحه إلى السماء فقال: يا إلهي قد جئت بروح من ليس في الأرض بعده خير.

قال وهب: فقال الله تعالى لإبراهيم، كيف وجدت الموت؟ فقال: كأن روحي تنزع


(١) انظر تاريخ الطبري ١/ ٣١٢.