للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فخرج معهم وترك ملكه، وأقامَ يتعبَّد معهم، فقال لهم ذات يوم: السلام عليكم. قالوا: فهل رأيتَ منَّا شيئًا تكرهُه؟ قال: لا، ولكنكم تعرفوني، فتعظِّموني، وأحبُّ أن أكون في مكان لا أُعرف، ثم فارقَهم وهم يبكون.

قال: فلما سمع عمر بن عبد العزيز هذا قام، وخرج إلى البَرِّيَّة، وترك الخلافة، فجاءه مسلمة بنُ عبد الملك وقال له: اتق الله في أمَّة محمد فواللهِ لئن فعلتَ ليَقتَتِلُنَّ بأسيافهم. فسكن (١).

وقال ابن سعد: قيل لعمر: يا أمير المؤمنين، لو أتيتَ المدينة، فإنْ قَضى اللهُ موتًا؛ دُفنْتَ في موضع القبر الرابع مع رسول الله وأبي بكر وعمر، فقال: لأَنْ يعذِّبني الله بكل عذاب إلا النار (٢)، أحبُّ إليَّ من أن يعلم أني أُرى لذلك أهلًا.

وقال عمر يومًا لكاتبه سليمان بن سعد: بلغني أن عاملنا فلانًا كان زنديقًا. فقال الكاتب: وما يضرُّك؟ قد كان أبو النبيّ كافرًا، فما ضرَّه. فغضبَ عُمر وقال: ما وجدتَ مثلًا إلا أبا رسول الله فعزله (٣).

[قال أبو الحسين الرازي: وسليمان بن سعد هذا من أمراء دمشق، وهو أول من نقل الديوان من اللغة الرومية إلى العربية، وكان مولىً من أهل الأردن] (٤).

وقال الإمام أحمد : يُروى في الحديث أنَّ الله تعالى يبعثُ على رأس كلِّ مئة سنة لهذه الأمة من يجدِّدُ لها دينَها. فنظَرْنا في المئة الأولى فإذا هو عُمر بن عبد العزيز، وفي الثانية الشافعيّ (٥).

وقال سفيان الثوري: الخلفاء خمسة. فذكر الأربعة، قال: والخامس عمر بن عبد العزيز (٦).


(١) الخبر في "التوابين" لابن قدامة ص ٦٩ - ٧١ باختلاف يسير.
(٢) بعدها في "طبقات" ابن سعد ٧/ ٣٩١: فإني لا صبر لي عليه. ولم يرد هذا الخبر في (ص).
(٣) تاريخ دمشق ٧/ ٦١٤ (مصورة دار البشير- ترجمة سليمان بن سعد).
(٤) المصدر السابق ٧/ ٦١٢. والكلام بين حاصرتين من (ص).
(٥) صفة الصفوة ٢/ ١١٣.
(٦) المصدر السابق.