للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: لما ردَّ عمر المظالم وانتزعَها من يد أهله وأقاربه؛ كتب إليه عمر بن الوليد بن عبد الملك: أما بعد؛ فإنك أزْرَيتَ على من كان قبلك من الخلفاء، وعبتَ عليهم، وسرتَ بغير سيرتهم بغضًا لهم وشَنْئًا لمن بعدَهم من أولادهم، قطعتَ ما أمرَ الله به أن يُوصل؛ إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها بيتَ المال جورًا وعدوانًا، ولن تُترك على هذا.

فغضب عمر وكتب إليه: من عبد الله عمر أميرِ المؤمنين إلى عمر بن الوليد، أما بعد، فإني قرأتُ كتابك وسأجيبك بنحوٍ منه:

أما أوَّلُ شأنك يا ابنَ الوليد كما زعم أبوك؛ فأمُّك بنانة أَمَةُ السَّكون، كانت تطوف في أسواق حمص، وتدخل حوانيتها، ثم الله أعلم بها، اشتراها ذبيان من فَيء المسلمين، فأهداها للوليد، فحملت بك، فبئس المحمول وبئس المولود، ثم نشأتَ فكنتَ جبارًا عنيدًا، تزعمُ أني من الظالمين، لِمَ حرمتُك (١) وأهلَ بيتك فَيءَ الله الَّذي فيه حقُّ القرابة والمساكين والفقراء واليتامى، وإنَّ أظْلَمَ منّي وأَتْرَكَ لِعهدِ الله من استعملكَ على جُند المسلمين تحكُم فيهم برأيك، ولم تكن له في ذلك نيَّة إلا حبُّ الوالد لولده، فويلٌ لك وويلٌ لأبيك، ما أكثرَ خُصَماءَكما يومَ القيامة! وكيف ينجو أبوك من خصمائه؟! وإنَّ أَظْلَمَ منِّي وأتْرَكَ لِعهدِ الله مَن استعملَ الحجاجَ بنَ يوسفَ يسفك الدم الحرام، ويأخذُ المال الحرام، ويفعلُ ما فعل، وإنَّ أظْلَمَ مني وأتْرَكَ لِعهدِ الله من استعمل قُرَّة بنَ شريك أعرابيًّا جَلْفًا جافيًا على مصر، وأذِنَ له في اللهو والشرب والمعازف، وإنَّ أظْلَمَ مني وأتْرَكَ لعهد الله من استعمل عثمان بن حيَّان على الحجاز ينتهك حرمة الله، ويُنشد الأشعار على منبر رسول الله ، وإنَّ أظلم مني وأترك لعهد الله من جعلَ لغاليةَ البربرية سهمًا في خُمس العرب، فرويدًا يا ابنَ بنانة، فلو التقَتْ حَلْقتا البِطان (٢) ورُدَّ الفَيءُ إلى أهله؛ لتفرَّغْتُ لك ولأهلِ بيتك، فوضعتُكم


(١) في "تاريخ دمشق" ٥٤/ ٢٨٧ (طبعة مجمع دمشق): أنْ حَرَمْتُك.
(٢) هو مَثَل يُضرب في الحادثة إذا بلغت النهاية. قال الميداني في "مجمع الأمثال" ٢/ ١٨٦: يقولون: "البِطان للقَتَب: الحِزام الَّذي يُجعل تحت بطن البعير، وفيه حلقتان، فإذا التقتا؛ فقد بلغ الشدُّ غايتَه". ووقع في (ب) و (خ) و (د) (والكلام منها فقط): التقتا حلقتا البطان. وأثبتُّ اللفظة على الجادّة.