للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على المَحَجَّة البيضاء، فطالما تركتُم الحقَّ، وأخذتُم في بُنَيَّات الطريق، ومن وراء هذا ما أرجو أن أكون رأيتُه؛ بَيْعُ رقبتِك، وقَسْمُ ثمنِك بين اليتامى والمساكين والأرامل، فإنَّ لكلٍّ فيك حقًّا، ولقد هممتُ أن أبعثَ إليك من يجزُّ جَمَّتَك جَمَّةَ السوء، والسلام علينا، ولا ينالُ سلامُ الله الظالمين (١).

وكتب عمر إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أمَّا بعد، فإنك كتبتَ إليَّ تذكرُ أنَّ سليمان كان يقطع للولاة بالمدينة من بيت المال ثمن شمع يستضيئون به حين يخرجون إلى صلاة العشاء والفجر (٢)، ولقد عهدتُك وأنت تخرجُ من بيتك في الليلة المظلمة الماطرة الوَحِلة بغير سراج! ولعمري لأنتَ يومئذٍ خيرٌ منك اليوم، والسلام.

وقال الفِهْرِيّ: كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاح الفَئء، فتناول ابنٌ له صغيرٌ تفاحةً، فانتزعَها من فيه، فأوجعه، فسعى إلى أمِّه مستعبرًا، فأرسلَتْ إلى السوق، فاشترت له تفاحًا، فلما رجع عمر؛ وجدَ ريح التفَّاح، فقال: يا فاطمة، هل أتيتِ شيئًا من تفَّاح الفَيء؟ فقالت: لا. وقصَّت عليه القصة، فقال: واللهِ لقد انتزعتُها من فيه، ولكأنَّما نزعتُها من قلبي، ولكن كرهتُ أن أُضيِّع نصيبي من الله بتفاحة من فَئء المسلمين (٣).

وقال عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك: بكى عمر بنُ عبد العزيز، فبكت فاطمة، فبكى أهلُ الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء. فلما تجلَّت عنهم العَبْرة قالت له فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين، مِمَّ بكَيتَ؟ قال: ذكرتُ منصرفَ القوم من بين يدي الله ﴿فَريقٌ في الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ في السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] ثم صرخ وغُشي عليه (٤).

وقال رجاء بن حَيوَة: كان الوفود يجتمعون على بابه فيبكي، ويُبكي أهلَ بيته ويُبكي الوفد، ثم ينصرفون ولا يسألون عن بكائه، قد علموا ما به.


(١) تاريخ دمشق ٥٤/ ٢٨٧ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة عمر بن الوليد)، وصفة الصفوة ٢/ ١١٦ - ١١٧.
(٢) بعدها في "صفة الصفوة" ٢/ ١١٩: وتذكر أنَّه قد نفد الَّذي كان يُستضاء به، وتسأل أن يُقطع لك من ثمنه بمثل ما كان للعمال.
(٣) صفة الصفوة ٢/ ١٢٠.
(٤) حلية الأولياء ٥/ ٢٦٩، والمصدر السابق ٢/ ١٢١.