للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال زياد بن أبي زياد المدني: أرسلني مولاي ابنُ عياش بن أبي ربيعة إلى عمر بن عبد العزيز في حوائج له، فدخلتُ عليه وعنده كاتب يكتب، فقلت: السلام عليك، فقال: وعليكم السلام. ثم انتبهت فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: لسنا ننكر الأولى. وعنده كاتب يقرأ عليه مظالم جاءت من البصرة، فقال: اجلس. فجلستُ على أُسْكُفَّةِ الباب وهو يقرأ عليه وعُمر يتنفَّس صَعَدًا، فلما فرغ؛ أخرجَ من كان في البيت حتَّى وصيفًا كان فيه، ثم قام يمشي حتَّى جلسَ بين يديّ، ووضع يدَيه على ركبتيَّ، ثم قال: يا ابن أبي زياد، استدفأتَ في مِدْرَعتك هذه -قال: وعليَّ مِدْرَعَةٌ من صوف- واسترحتَ ممَّا نحن فيه؟ ثم سألني عن صلحاء أهل المدينة؛ رجالِهم ونسائهم، فما ترك منهم أحدًا إلا وسألني عنه، ثم قال: أترى إلى ما وقعتُ فيه؟ فقلت: أبشِرْ، فإني لأرجو لك خيرًا. فقال: هيهات هيهات! أَشْتِمُ ولا أُشْتَم! وأَضربُ ولا أُضرَب! وأُوذِي ولا أُوذَى! ثم بكى حتَّى جعلتُ أرثي له، فأقمتُ حتَّى قضى حوائجي، ثم أخرج من تحت فراشه عشرين دينارًا، فقال: استعن بهذه، فإنه لو كان لك في الفَئء حقٌّ أعطيناك حقَّك، إنما أنتَ عبد. فأبيتُ أن آخذَها، فقال: إنما هي من نفقتي. فلم يزل بي حتَّى أخذتُها، وكتبَ إلى مولاي يسألُه أن يبيعني منه، فأبى وأعتقَني (١).

وقال عمرو بن أبي المهاجر: قال لي عُمر بن عبد العزيز: إذا رأيتَني قد مِلْتُ عن الحقّ؛ فضَعْ يديك في تلبابي (٢)، ثم هُزَّني وقل: يا عمر، ما تصنع (٣)؟

وقال القاسم بن غزوان: إنْ كان عمر بن عبد العزيز ليتمثَّل بهذه الأبيات:

أيقظانُ أنتَ اليومَ أم أنتَ نائمُ … وكيفَ يُطيقُ النومَ حيرانُ هائمُ

فلو كنتَ يقظانَ الغداةَ لقطَّعَتْ … مدامعَ (٤) عينيك الدموعُ السواجمُ


(١) صفة الصفوة ٢/ ١٢١ - ١٢٢. ومن قوله: وقال سفيان الثوري: الخلفاء خمسة، (قبل ثلاث صفحات) … إلى هذا الموضع، ليس في (ص).
(٢) في (ص): ثيابي.
(٣) حلية الأولياء ٥/ ٢٩٢، وصفة الصفوة ٢/ ١٢٢. وقد نسب الخبر في (ص) لأبي نُعيم.
(٤) في (ب) و (خ) و (د): مجاري، والمثبت من (ص)، وهو موافق لأغلب المصادر. وفي "الحلية": محاجر.