للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدَّةُ هذا الرجل الَّذي بعثه الله عقوبة لكم بذنوبكم. فقال: لقد أجَّلتنا إلى أمد بعيد تفنى دونه أعمارُنا وأموالُنا، قوموا بنا ندخلْ عليه.

وأخبره الحاجب بمكانهم. فقال: قد علمتُ الأمر الَّذي اجتمعوا لأجله، أَدخِلْ عليَّ زعيمَهم، فواللهِ لا انصرفوا إلا بما يُسَوِّدُ وجوهَهم.

فدخل مسلمة بن سعيد، فسلَّم وجلس، وأخذ يُثني عليه، فقال له: دع هذا، وخُذْ فيما جئتَ له. فقال: إنَّ الأمر قد أفضى بأهل بيتك إلى حال يرثي لهم منه العدوّ. فقال: هيهات! تلك أَثَرَةٌ حملَها المعتدون على كاهل الدين، فأوقروه، واللهِ ما ازدَدْتُ لهم نَظَرًا إلا زاد البلاء عليهم ثقلًا.

قال مسلمة: فادفَعْ إلينا صكاك قطائعنا من خلائفنا، فقال عمر Object: أذْكَرتَني الطعن، وكنتُ ناسيًا، يا جارية، هاتِ صندوق السجلَّات. فجاءت بصندوق، ففتحَه، وأخرج السجلَّات، فجعل يقطِّعُها سجلًّا سجلًّا. فقال له مسلمة: واللهِ لا نصبرُ على هذا. فقال: بلى واللهِ لتصبرَنَّ غير مكرم في دنيا، ولا مأجور في دين. فقال مسلمة: أراحنا الله منك. فقال له عمر Object: لا ضير، هلمَّ يدي بيدك حتَّى نوافيَ الموسم، فأجعلُها للمسلمين يختارون لأنفسهم ما شاؤوا. فقال مسلمة: واللهِ ما يمنعُني ما يسوءني بأهل بيتي أن أقولَ فيك الحق، واللهِ ما يعدلون بها عنك. فقال له: إنَّ للهِ في بني مروان ذَبْحًا، ووَدِدْتُ أنَّه كان على يدي.

فلما بلغَ قومَه ذلك؛ كَفُّوا عنه لما يعلمون من صرامته (١).

ذكر شيء من كلامه:

قال أبو سريع الشامي: زار عمر بن عبد العزيز قبور آبائه، ثم رجع باكيًا، فقيل له: ما الَّذي أبكاك؟ فقال: خاطبني التراب، فقال: ألا تسألني عن ما فعلتُ؟ قال: قلتُ: ما صنعتَ؟ قال: فَصَلْتُ الكفَّين عن الساعدين والقدمين عن الساقين، وفعلتُ وفعلتُ. ثم قال: ألا أدلُّك على ثوب لا يَبْلَى؟ قلت: بلى. قال: التقوى (٢).


(١) تاريخ دمشق ٦٧/ ١٤٦ - ١٤٧ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة مسلمة بن سعيد) دون قوله آخره: فقال له إن لله في بني مروان ذبحًا … إلخ. وقد ورد نحوه في خبر آخر في "أنساب الأشراف" ٧/ ٧٠.
(٢) ينظر: الهواتف ص ٤١، وحلية الأولياء ٥/ ٢٦٤، وتاريخ دمشق ٥٤/ ١٩٠، والبداية والنهاية ١٢/ ٧٠٤.