للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال عمر: مَنْ بالباب؟ قال مسلمة: كُثيِّر. قال: فليدخل. فلما دخل سلَّم عليه بالخلافة وقال: يا أمير المؤمنين طال الثَّواء، وقلَّت الفائدة (١)، وتحدَّثت وفودُ العربِ بجفائك إيَّانا. فقال له عمر Object: يا كُثيِّر، اتَّقِ الله، ولا تقلْ إلا حقًّا.

فقال:

وَلِيتَ فلم تَشْتُمْ عليًّا ولم تُخِفْ … بريئًا ولم تسمع مقالةَ مجرمِ

تكلَّمتَ بالحقِّ المبين وإنَّما … تَبَيَّنُ آياتُ الهدى بالتكلُّمِ

وقلتَ فصَدَّقْتَ الَّذي قلتَ بالذي … فعلتَ فأمسى رايشًا كلُّ مسلمِ

ألا إنَّما يكفي الفتى بعد بُرْهَةٍ … من الأَمَدِ الباقي ثِقافُ المُقَوِّمِ

وقد لَبِسَتْ لُبْسَ الملوك بِبابِها … وأبدَتْ لك الدُّنيا (٢) بكفٍّ ومِعْصَمِ

وتُومِضُ أحيانًا بعينٍ مريضةٍ … وتَبْسِمُ عن مثلِ الجُمانِ المُنَظَّمِ

فأعرضْتَ عنها مشمئزًّا كأنَّما … سقَتْكَ مَدُوفًا (٣) من سِمامٍ وعلقمِ

فما زِلْتَ سَبَّاقًا (٤) إلى كلِّ غايةٍ … صعدت بها أعلى البناء بسلَّمِ (٥)

تركتَ الَّذي يفنى وإنْ كان مُونِقًا … وآثرتَ ما يبقى برأيٍ مصمِّمِ

فما بينَ شرقِ الأرضِ والغربِ كلِّها … منادٍ ينادي من فصيحٍ وأعجمِ

يقولُ أميرَ المؤمنين ظلمتَني … بأخذٍ لدينارٍ ولا أخْذِ درهمِ

فلو يستطيع المسلمون لقسَّموا (٦) … لك الشطر من أعمارهم غير نُدَّمِ

فعشتَ لنا ما حجَّ للهِ راكبٌ … مُغِذٌّ مُطيفٌ بالمقام وزَمْزَمِ

فأرْبِحْ بها من صفقةٍ لمبايعٍ … وأعْظِمْ بها أعْظِم بها ثم أعْظِمِ

ثم قال: مَنْ بالباب؟ فقال: الأحوص. فأَذِنَ له، فدخل فقال (٧):


(١) في (ب): العائدة.
(٢) في "ديوان" كُثيِّر ص ٣٤٤: وقد لبست لبس الهَلُوك ثيابها تراءى لك الدنيا … وينظر "الأغاني" ٩/ ٢٥٨.
(٣) أي: مخلوطًا.
(٤) في "الديوان" ص ٣٤٥: توَّاقًا.
(٥) في "الديوان": بلغتَ بها أعلى البناء المقدَّم.
(٦) في "الأغاني" ٩/ ٢٥٩، و"الديوان" ص ٣٤٦: تقسَّموا. وينظر "العقد الفريد" ٢/ ٨٩.
(٧) سلف أن عمر Object لم يأذن للأحوص بالدخول عليه. ووقع هذا التناقض بسبب جمع روايتين للخبر كما سلف الكلام عليه.