للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعبدون الأوثان، ويأتون الفواحش، ويسافد بعضهم بعضًا على الطرق والمجامع، وكانوا أهل كروم وبساتين، قال: وسبب إتيانهم الفاحشة أن إبليس تصوَّر لهم في صورة غلامٍ أمرد من أحسن الغلمان، فجاء إليهم وكانت بلادهم أخصبَ البلاد، وكان الأُردُنُّ -وهو النهر الخارج من بحيرة طبرية- يقطع الغَوْر ويصل إليهم، وكانت منازلهم زُغَر قبل أن تكون البحيرة المنتنة، وكانت الكروم موضع البحيرة، والنخل محدقٌ بها، ولم يكن لهم حيطان وكان بعضهم يأكل فاكهة بعض، فزجر بعضهم بعضًا فما انزجروا، فقال لهم إبليس: ألا تمنعون كرومَكم من السُّراق؟ قالوا: قد اجتهدنا فلم نقدرْ على ذلك، فقال: أنا أعرِّفكم طريقًا ينزجرون بها، ثم أمْكَنهم من نفسه وقال: كل من أكل من كرومِكُم فاصنعوا به كذا. وإبليس أوَّل من فُعِل به هذا الفعل في الدنيا (١).

وقال ابن عباس: وكان الله تعالى قد أمر الملائكة الذين أرسلهم لعذاب قوم لوط أن يجعلوا طريقهم على إبراهيم ﵇، فذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ فلما دخلوا عليه ﴿قَالُوا سَلَامًا﴾ أي: سلموا عليه سلامًا ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] وهو المشوي بالحجارة المحماة ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيهِ نَكِرَهُمْ﴾ أي: أنكرهم ﴿وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ أي: أضمر وظنهم لصوصًا، لأنه كان إذا نزل به ضيف ولم يأكل من طعامه ظن أنه قد جاء بشرّ فلهذا قالوا: ﴿لَا تَخَفْ﴾ فنحن ملائكة ﴿أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٠] بالعذاب ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١] قال قتادة: كانت واقفةً من وراء الستر تخدم الأضياف وتسمع ما يجري بينهم وبين إبراهيم.

واختلفوا في معنى قوله: ﴿فَضَحِكَتْ﴾ قال مجاهد: إنما ضحكت تعجبًا من الملائكة، قالت: ما رأيت مثل هؤلاء نخدمهم بنفوسنا ولا يأكلون طعامنا.

وقال ابن عباس: معناه حاضت، وفي الآية تقديم وتأخير، ومعناه: وامرأته قائمة فبشَّرناها بإسحاق فحاضت، والعرب تقول: ضحكت الأرنب إذا حاضت، قال الشاعر: [من المتقارب]


(١) انظر تاريخ اليعقوبي ١/ ٢٥.