للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيفِي﴾ أي: تهينوني وتذلُّوني ﴿أَلَيسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ [هود: ٧٨] أي: صالح سديد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ﴿قَال لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾ أي: منعة وعشيرة يمنعوني ﴿أَوْ آوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] أي: وثيق. وقد ذكرنا أنَّ النبي ﷺ قال: يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، أي: الله تعالى. ﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ أي: رغبة ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] من إتيان الرجال. وأخذوا يعالجون الباب ليكسروه، ولوط يناشدهم الله تعالى. فقالت الملائكة حينئذٍ: يا لوط، إنَّ ركنك لشديد ﴿وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيرُ مَرْدُود﴾ [هود: ٧٦] و ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيكَ﴾ [هود: ٨١] فافتح الباب ودعنا وإيَّاهم، ففتح ودخلوا. ثم استأذن جبريل ربَّه في عقوبتهم فأذن له الله فقام في صورته التي خلقه الله ﷿ عليها، ونشر جناحه، وعليه وشاح من درٍّ منظوم، وهو برَّاق الثنايا مشرق الجبين، [ورأسه] حُبك حُبك -الحبك: الطرائق-[مثل] المرجان كأنَّه الثلج وقدماه إلى الخضرة، فضرب بجناحيه وجوههم فطمسها وأعمى عيونهم فصاروا لا يهتدون إلى بيوتهم، فهربوا وهم يقولون: النجاءَ النجاءَ، فإنَّ في بيت لوط أسحر قوم في الأرض، وجعلوا يتواعدونه ويقولون: كما أنت يا لوط حتى نصبح.

ثم قال لوط للملائكة: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: الصبحُ، قال: أريد أسرع من ذلك لو أهلكتموهم الآن، قالوا: ﴿أَلَيسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١] ثم قالت الملائكة: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيلِ﴾ أي: بطائفة منه ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلا امْرَأَتَكَ﴾ فإنها تلتفت فتهلك. فخرج لوط ومعه أهله وامرأته ونهاهم أن يلتفتوا، إلَّا امرأته فإنه ما نهاها.

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ [هود: ٨٢]، قال ابن عباس: أدخل جبريل جناحه تحت قراهم ورفعها حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وصياح ديكتهم، ثم قلبها، فذلك معنى قوله تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ [النجم: ٥].

وقال جدي في "التبصرة": كانت خمس قرى، أعظمها سَدُوم، في كل قرية مئة ألف، وكان الطير لا يدري أين يذهب، ثم أمطر الله على مسافريهم ومن غاب منهم ﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ (١) وسجين -لغتان- وهي التي بعضها طين وبعضها حجر، ﴿مُسَوَّمَةً﴾ أي: على كل حجر اسم صاحبه ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣]


(١) "التبصرة" ١/ ١٥٢ - ١٥٣.