للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهوك الجسم؟ لعلَّ ذلك من سوء ولاية، أو قلَّة نفقة، ألا نأمرُ لك بخادم لطيف، ونفقةٍ تُوسع بها عليك؟ فقال: أنا من الله في كفاية. فقال الحجَّاج: لا والله، بل العلمُ والزُّهد فيما نحن فيه.

ثم التفتَ الحجَّاح إلينا وذكرَ عليًّا ، فنِلْنا منه خوفًا من الحجَّاج، والحسنُ ساكتٌ عاضٌّ على إبهامه، فقال له الحجّاج: أخبرني برأيك في أبي تراب. فقال: سمعتُ الله تعالى يقول: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيهَا إلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣] فعليُّ فيمن هدى الله إلى الإيمان، ثم ما أقولُ في ابن عمّ رسول الله وخَتَنِه على ابنته وأحبِّ الناس إليه، وصاحبِ سوابقَ مباركات سبقت له من الله لا تستطيع أنت ولا أحدٌ من الناس أن تحولَ بينه وبينها؟! أقول قولي هذا، ولا أعدلُ عنه.

فتغيَّر وجهُ الحجَّاج وبَسَرَ وكَلَحَ، وقام مُغْضَبًا عن سريره، فدخلَ بيتَه، وقمنا فخرجنا.

قال الشعبي: فأخذتُ بيد الحسن وقلت له: يا أبا سعيد، أغضبتَ الأمير وأوغرتَ صدرَه. فنترَ يده من يدي وقال: إليك عنّي يا عامر، يقول الناس: عامرُ الشعبيّ عامرُ أهل الكوفة وفقيهُها، أتيتَ شيطانًا من شياطين الإنس تكلّمُه بهذا [الكلام]! ويحك يا عامر، هلَّا اتَّقيتَ الله إذْ سُئلتَ فصدَقتَ أو سكتَّ فسَلِمتَ! فقلت: يا أبا سعيد، قد قلتُها وأنا أعلمُ ما فيها. فقال: ذاك أعظمُ في الحجَّة عليك، وأشدُّ في التَّبِعة يا عامر (١).

قال الشعبي: فما فرَّق الموتُ بيني وبين الحسن حتى اجتمعنا عند عُمر بن هُبَيرة لمَّا وليَ العراقَ ليزيد بن عبد الملك، واجتمع قرَّاء الأمصار، فسألهم عن مسائل، ثم أخرجَهم جميعًا، فلم يبقَ غيري وغير الحسن وابن سِيرِين، فالتفتَ إلى ابنِ سِيرِين فقال: يا أبا بكر، ما رأيتَ من أمرنا منذ قدمنا (٢)؟ فقال: رأيتُ ظلمًا فاشيًا، ومنكرًا قبيحًا. فغمزه ابنُ أخيه في منكبه، فقال له محمد: أنا الذي أُسألُ، لا أنتَ.


(١) أنساب الأشراف ١٢/ ٣٦٩ - ٣٧٠.
(٢) في (ص): قدومنا.