للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في جَيداء:

عُوجِي علينا رَبَّةَ الهَوْدَجِ … إنَّكِ إنْ لا تفعلي تَحْرَجي

إنِّي أُتِيحَتْ لي يمانيَّةٌ … أختُ (١) بني الحارثِ من مَذْحِجِ

في الحجِّ إن حَجَّتْ وماذا منًى … وأهلُهُ إنْ هِيَ لم تَحْجُجِ

نَلْبَثُ حولًا كاملًا كلَّه … ما نلتقي إلا على منهجِ (٢)

وبلغ عطاءً قولُه: وماذا منًى … فقال: الخيرُ كلُّه واللهِ في منًى، حجَّتْ أو لم تحجَّ (٣).

ولم يزل ذلك في قلب محمد بن هشام حتَّى ولَّاه هشامُ بنُ عبد الملك مكةَ، وكتب إليه أن يحجَّ بالناس، فهجاه العَرْجيُّ وقال:

ألا قُلْ لِمَنْ أَمْسَى بمكة قاطنًا … ومن جاء من عمقٍ ونَقْبِ المُشَلَّلِ

دَعُوا الحجَّ لا تستهلكوا نَفقاتِكُمْ … فما حجَّ هذا العام بالمُتَقَبَّلِ

وكيفَ يُزَكَّى حجُّ مَنْ لم يكن لَهُ … إمامٌ لدى تجهيزه (٤) غَيرُ دُلْدُلِ (٥)

يظَل يُرائي بالصِّيامِ نهارَهُ … ويلبسُ في الظلماءِ سِمْطَي (٦) قَرَنْفُلِ

وبلغ محمدًا فقال: هذا الفاسق شبَّبَ بِحُرَمِنا، وفَضَحَ نساءَنا، وهجانا من غير سابقةٍ سبقت منَّا إليه، فأخذه فضربه ضربًا مبرِّحًا، وقيَّده، وألبسَه الصوف، وعذَّبه عذابًا أليمًا، وحلفَ لا يُخرجُه من الحبس ما دام له سلطان، فأقام تسع (٧) سنين حتَّى مات في حبسه.

وقال الزُّبير: سببُ حبسه ما كان في قلب محمد منه، فاسْتَعْدَتْ امرأة مولاه الَّذي قتلَه عليه محمدًا، وكان جبَّارًا تائهًا شديدَ الكِبْر، فأخذ العَرْجيَّ، فأقامَه للناس،


(١) في "الأغاني" ١/ ٤٠٦، و"تاريخ دمشق" ٣٧/ ١٣٤: إحدى.
(٢) المصدران السابقان. وينظر أيضًا "أنساب الأشراف" ٥/ ٢٦٦.
(٣) الأغاني ١/ ٤٠٦، وبنحوه في "تاريخ دمشق" ٣٧/ ١٣٤.
(٤) في "الأغاني" ١/ ٤٠٦: تجميره.
(٥) الدُّلْدُل: حيوان شائك قارض من آكلات الحشرات، وهو نوع من القنافذ. (المعجم الوسيط).
(٦) السِّمْطُ: الخيط ما دام فيه الخَرَز ونحوُه منظومًا فيه.
(٧) في (خ): سبع. والمثبت من (ب)، وهو موافق لما في "الأغاني" ١/ ٤٠٩.