للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث سَلِيط:

كانت لعبد الله بن عباس جاريةٌ صفراءُ مولَّدةٌ تخدُمُه، فواقعها اتفاقًا غير طالب ولد، فاغتَنَمتْ ذلك، فأمكَنَتْ من نفسها عبدًا من عبيد المدينة، فوقع عليها فحبلَتْ منه، وحدَّها ابنُ عبَّاس، واستعبدَ ولدَها، وأنكره، وسمَّاه سَلِيطًا. فنشأ جَلْدًا ظريفًا، ولم يزل يخدُم عبد الله بنَ عبَّاس حتى مات، وانتقل إلى علي بن عبد الله، فكان معه يخدُمه بالشام، وكان له من بني أمية موقع، فدسَّ الوليدُ بنُ عبد الملك إلى سَلِيط لما كان في نفسه من عليّ أن يدَّعيَ أنه ابنُ عبد الله بنِ عبَّاس، ويخاصمَ عليًّا في الميراث، ففعل سَلِيط، وأقام شهودًا، وأثبت ذلك على القضاء، فألحقه الوليد بابن عباس، فكان سَلِيط بعد ذلك يؤذي عليًّا، ويستطيل عليه، وينال منه.

وكان عند عليّ رجلٌ من ولد أبي رافع مولى رسول الله ﷺ يقال له: عمر الدَّنّ، فقال لعليٍّ: ألا أقتلُ هذا الدَّعيَّ؟ فناشده اللهَ أن لا يفعل، ونهاه عنه.

فاتَّفقَ أنَّ عليًّا خرج إلى بستان على فرسخ من دمشق ومعه سَلِيط وعمر الدَّنّ، ورجل آخر يقال له: عروة بن راشد (١)، وقيل: أبو المهنَّى فايد مولى لعلي، فقام عليٌّ يصلِّي، وجلس الدَّنُّ وفايد وسَلِيط يأكلون فاكهةً، فقاما إلى سَلِيط فقتلاه ودفناه، وعفَّيا آثاره وهربا، فلما فرغ على من الصلاة طلبَهم، فلم يجد منهم أحدًا.

وقام عليٌّ، فدخل دمشق، وفشا الحديثُ، واستغاثت أمُّ سَلِيط -وقيل: زوجتُه- إلى الوليد، فحرثَ البستان، وأُجري الماء عليه، فوقف عند قبر سَلِيط، فأُخرجَ مقتولًا.

فأحضر الوليدُ عليًّا، وسألَه، فقال: واللهِ ما أعلمُ بذلك، وما أمرتُ به. فأحلفه أنه ما يعلمُ مكانَ الدَّنِّ وصاحِبِه، فحلفَ، فأقام الوليدُ عليًّا في الشمس، وصبَّ على رأسه الزيت، وألبسه جُبَّة صوف، وضربَه ستين سوطًا، وقيل: خمس مئة سوط، كان يضربُه أبو الزُّعيزعة مولى عبد الملك بين يدي الوليد.


(١) في "أنساب الأشراف" ٣/ ٨٥: أبو راشد.