للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن عباس: السَّدُّ بين أرمينية وأذربيجان.

ومعنى فسادهم في الأرض: أنهم كانوا يأكلون النَّاس. وقال الكلبي: كانوا يخرجون في أيَّام الرَّبيع في السهل فلا يدعون شيئًا إلّا أكلوه ولا يابسًا إلَّا احتملوه. وقيل: معناه في المستقبل؛ أي: سيفسدون في الأرض، وقد دلَّ الحديث عليه لما نذكر في آخر الفصل.

قوله تعالى: ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ قرأه العامَّة بغير ألف، وقرأه حمزة والكسائي وأهل الكوفة "خراجًا" بألف. ومعناه: نجعل لك أجرًا وجُعلًا ﴿عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَينَنَا وَبَينَهُمْ سَدًّا﴾ [الكهف: ٩٤] أي: حاجزًا فلا يصلون إلينا. قال لهم ذو القرنين: ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيرٌ﴾ وقرأ أهل مكّة "مكنني" بنونين على الإظهار، وقرأ الباقون "مكَّنِّي" بنون واحدة على الإدغام. ومعنى ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ﴾ أي: خير من خرجكم، ولكن أعينوني ﴿بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَينَكُمْ وَبَينَهُمْ رَدْمًا﴾ [الكهف: ٩٥] أي: حائطًا أو حاجزًا. قالوا: وما تلك القوَّة؟ قال: صُنَّاع وفَعَلة يحسنون هذا، قالوا: وما تلك الآلة؟ قال: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ أي: قِطَع الحديد فأتوه بها فبناه ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَينَ الصَّدَفَينِ﴾ وهما جانبا الجبل، فجعل بينهما الخطيب ونسج عليه الحديد وألقى عليه القِطْر، وهو النُّحاس المذاب، فأكلت النَّار الخطيب، وصار النُّحاس موضعَ الخطيب، فاختلط الحديد بالنحاس وهو يقول: ﴿انْفُخُوا﴾ [الكهف: ٩٦] حتَّى كمل واستوى ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ أي: يعلون فوقه ﴿وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ [الكهف: ٩٧] من أسفله. فقال ذو القرنين: ﴿هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي﴾ يعني السدَّ، فلهذا لم يقل: هذه ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ [الكهف: ٩٨] أي: مستويًا بالأرض.

وقال مقاتل: وصل إلى مدن معطلة قد بقي فيها بقايا من النَّاس، فسألوه أن يسدَّ ما بينهم وبين يأجوج ومأجوج. وقال مقاتل: لما سار إلى المشرق جعل طريقه على الهند والتُّبَّت، فتلقته الملوك بالهدايا والطاعة، إلى أن وصل إلى الأرض السوداء المنتنة، فقطعها سيرًا حثيثًا في شهر، ووصل إلى المدائن المجاورة ليأجوج ومأجوج، فنزل بجيوشه فيها ومعه العلماء وأرباب الصنائع. فلمَّا عزم على بناء السدِّ اتخذ القدورَ الكبار من النحاس والحديد والمغارف، وأمر بأن يجعل دَوْرَ كلِّ قِدْرٍ خمسين ذراعًا، فبناه،