للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى يأتيَك رزقك؟! فقد أكذبتَ نفسَك. فقال: يا أمير المؤمنين، جاء بي أمران، إما تحريكُ رزق، أو أجل. فجزاك الله خيرًا، فلقد وعظتَ فأبلغتَ. فعجب هشام من فصاحته. ثم قام من وقته، فخرج وركب راحلته، وقصد المدينة.

فلما كان في الليل؛ ذكره هشام وقال: رجلٌ من قريش وفد عليَّ فجبهتُه ورَدَدْتُه عن حاجته، وهو مع ذلك شاعر لا آمنُ أن يهجوَني.

فلمَّا أصبح سأل عنه، فقيل: توجَّه إلى المدينة، فقال هشام: لا جرم واللهِ ليعلمنَّ أنَّ رزقه يأتيه وهو في بيته. فدعا مولًى له، فأعطاه ألفَ دينار، وفرض له فريضتين (١) وقال: الحَقْه واعتذِرْ إليه. فسار خلفَه أيامًا، فلحقه فقال له: أمير المؤمنين يقول لك (٢): أردتَ أن تُكذِّبنا وتُصدِّقَ نفسك، هذه جائزتُك مضاعفة. فقال: قل لأمير المؤمنين: قد صدَّقَني الله وبعثَ برزقي. وواللهِ لا سألتُ أحدًا بعدَها حاجةً أبدًا.

فكان سَوْطُهُ يسقطُ من يده، فينزل فيأخذه، ولا يستعينُ بأحد على تناوله.

وهذان البيتان من أبيات، منها:

لا خيرَ في طمعٍ يُدْنِي لِمَنْقَصَةٍ … وبُلْغَةٌ من كَفَاف (٣) العيشِ تكفيني

لا أركبُ الأمر تُزْرِي بي عواقبُهُ … ولا يُعابُ به عِرْضي ولا ديني

أقومُ بالأمر أو ما كان (٤) من أرَبي … وأُكثِرُ الصمتَ عمَّا (٥) ليس يعنيني

كم مِنْ فقيرٍ غنيِّ النفسِ تعرفُهُ … ومِنْ غنيٍّ فقيرِ النفسِ مسكينِ

ومِنْ أخٍ لي طَوَى كَشْحًا (٦) فقلتُ له … إنَّ انطواءك عنّي سوف يطويني

لا أبتغي وَصْلَ مَنْ يبغي مُفارقَتي … ولا أَلِينُ لمن لا يَشتَهِي لِينِي

ولمَّا فصل عن هشام قال (٧):


(١) في (ص): في نصيبين، بدل: فريضتين.
(٢) قوله: يقول لك، ليس في (ص).
(٣) في "الأغاني" ١٨/ ٣٢٤: وغُفَّة من قَوام … الخ. والغُفَّة -بالضم- البُلْغَة من العيش.
(٤) في "الأغاني": إني لأنطق فيما كان …
(٥) في المصدر السابق: فيما.
(٦) طوى كَشْحَه على الأمر: أضمره وستره. (والكَشْح: ما بين الخاصرة إلى الضِّلَع الخلف).
(٧) من هذا الموضع إلى قوله: قال الواقدي: توفي سنة ثماني عشرة. (آخر الترجمة) ليس في (ص).