للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: لم يقف في القلب، بل أقامَ أهلَه وأقاربَه فيه، وتأخَّر هو في جمع وراءهم يرى ما يكون منهم.

والتقَوْا، فحمل الحارثُ على الميسرة، فهزمهم، فلم يردَّهم شيءٌ دون رُواق أسد، فشدَّت عليهم الميمنة، وكبَّرُوا، وصاحوا، فانهزم خاقان وأصحابُه لا يلوون على شيء، وتبعهم المسلمون مقدارَ ثلاثة فراسخ، وأخذ خاقان طريقًا في الجبال غير الجادَّة، وجاء أسد خلفَه، فحال بينهم وبينَه نهرٌ.

ومضى خاقان في خمس مئة فارس، فنزل في الليل وراء الجبل، فقال ملك الجُوزْجان لعثمان بن عبد الله بن الشِّخِّير: إني لأَعْرَفُ الناسِ ببلادي وطُرُقِها، فهل لك في أمر تسودُ به ما عشتَ؟ قال: نعم. قال: تتبعُني. قال: سِرْ. فأخذ به طريقًا يعرفُه حتى أشرفَ على خاقان، وكان خاقان قد فتكَ بالجُوزْجان، وكان خاقان وأصحابُه قد نزلوا وراء الجبل آمنين، فغَشِيَهم الجُوْزجانيُّ وعثمانُ، وحملُوا عليهم، فانهزم خاقان، وتركَ ما في عسكره، فاحتوى عليه الجُوْزجاني وعثمانُ، وكان شيئًا عظيمًا، من جملته ثلاثُ مئة ألفِ رأس من الغنم والخيل والدوابّ، ونساء العرب المَسْبيَّات، ونساء الترك، وأواني الذَّهَب والفضة ممَّا لم يوجد مثلُه، وعادوا إلى أسد بالغنائم.

وعاد أسد إلى بَلْخ في اليوم التاسع من خروجه منها، وبين مكان الوقعة وبَلْخ سبعةُ فراسخ.

وأمَّا خاقان؛ فوصل إلى بلاده، وأقام يجدِّدُ العُدَّة (١) ويجمعُ الرِّجال، ويستعدُّ للغُدُوّ إلى بَلْخ ومَرْو، وقال: ننزلُ أوَّلًا على سمرقند. ودفعَ للحارثِ بنِ سُرَيج وأصحابه الخيلَ والعُدَّة (٢).

ذكر مقتل خاقان:

[قال علماء السير:] كان عنده ملك كبير يقال له: كُورصُول، فجلسا يومًا يلعبان بالنَّرْد على سمرقند، وكان خاقان يحاصوها، فتخاطرا (٣) على حكم أحدهما، فغلب


(١) في (خ): العدد.
(٢) ينظر "تاريخ" الطبري ٧/ ١٢٣ - ١٢٥. وهذه الفقرة -من بدء أحداث هذه السنة إلى هذا الموضع- لم ترد في (ص).
(٣) أي: تَرَاهَنَا.