للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلم بهم الناس، وكان خالد بواسط، فكتبوا إليه يخبرونه (١)، فجاء حتى نزل الحِيرة وبها جيشٌ يُريدُ أن يسير إلى خُراسان مددًا، فجهَّزه إليهم، والتقَوْا على الفرات، واقتَتَلُوا، فقصد البُهلول زعيمَهم، فطعنَه فقتله، وانهزم أصحابُه إلى أبواب الكوفة، فجهَّز إليهم خالد جيشًا آخر، فهزموه إلى الكوفة.

وقصد البُهلولُ الموصل، فخاف عاملُها، فكتب إلى هشام يخبره ويستنجدُه، فجهَّز إليهم الجيوش من الشام والجزيرة، وبعث خالد بجيش من العراق، فنزلوا بدَيرٍ بين الجزيرة والموصل، وكان البُهلول في سبعين رجلًا، واقتتلُوا، فلما رأوْا عين الغَلَبة، ترجَّلُوا، وكسروا جُفُون سيوفهم وقاتلوا حتى قُتلوا.

وقتلَ البُهلولَ رجلٌ من جَدِيلةِ قيس، كنيتُه (٢) أبوالموت، طعنَه فصرعه، ونجا منهم اليسير.

فرثاه الضَّحَّاك بنُ قيس فقال:

بُدِّلْتُ بعد أبي بِشْرٍ وصُحبتِهِ … قومًا عليَّ مع الأحزابِ أعوانا

كأنَّهُمْ لم يكونوا من صَحَابَتِنا … ولم يكونوا لنا بالأمس إخوانا

يا عينُ أذْرِي دُموعًا منكِ واكفةً … وابْكي لنا جِيرةً كانوا وخِلَّانا

خَلَّوْا لنا ظاهرَ الدُّنيا وباطنَها … وأصبحوا في جِنان الخُلْد جِيرانا (٣)

ولما قُتل البُهلول، خرج عَمرو اليشكري بوصيةٍ من البُهلول، فلم يلبث أن قُتل.

ثم خرج وزير السَّخْتِياني بالحِيرة، فجعل لا يمرُّ بقرية إلا أحرقها ولا بأحدٍ إلا قتلَه، فبعث إليه خالد جيشًا، فقاتلوه، فأثخن بالجواح، وحُمل إلى خالد، فلما دخلَ عليه وعظَه، وتلا آياتٍ من القرآن، فأعجبَ خالدًا ما سمع منه، فأمسك عن قتله، وحبسَه، وكان لا يزال يبعثُ إليه في الليل، فيُحادثه ويُسائله.

وبلغ ذلك هشامًا، فكتب إليه: قد صِرْتَ حَرُوريًّا تحمي من قده قَتَلَ وحرق! اقْتُلْهُ ثم احْرِقه، فلم يفعل حتى كتب إليه هشام مرارًا يعزمُ عليه، فلمَّا لم يستطع دَفْعَهُ؛ قَتَلَه


(١) في النسخ: يخبرهم. وأثبتُّ اللفظة على الجادَّة.
(٢) في النسخ المذكورة: رجل من جديلة اسمه قيس وكنيته … وهو وهم، وجَدِيلة بطن من قيس. ينظر "معجم قبائل العرب" ١/ ١٧٢.
(٣) الأبيات في "تاريخ" الطبري ٧/ ١٣٣ باختلاف يسير. وينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٣٧٠ - ٣٧٤.