للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليها، فاخْرجْ منها كما دخلتَها. فقال: قد وُلد لي فيها أولاد، واكتسبتُ أموالًا، وأنفقتُ فيها شبابي، فكيف أخرج منها؟! فقال له أسد: فأَخْتِمُ في عنقك بالرصاص. فقال: يا أسد، فأين الأمان؟ فختم في عنقه، وبعثه إلى مولاه أبي الأسد ليُوصلَه إلى مأمنه.

فسار به إلى عسكر مصعب، فوصلَ عند المساء، وكان سَلَمةُ بن أبي عبد الله في الموالي يضعُ الدَّرَّاجة (١) مواضعَها، فقال سَلَمة لأبي الأسد: ما صنعَ الأمير في أمر بدرطرخان؟ فقصَّ عليه القصة، وقال: وقد سيَّره معي إلى مصعب [ليُدخله الحصن، فقال سلمة: إنَّ الأمير لم يُصِبْ فيما صنع، وسينظر في ذلك ويندم، إنما كان ينبغي] (٢) أن يقبلَ منه ما عرض عليه، أو يحبسه فلا يدعُه يصلُ إلى حصنه، لأنه قد كان يمنعُه من الغارة علينا وقتالِنا رجاءُ الصلح، فأما الآن فإنه إن وصل إلى حصنه (٣) لم يدع مكيدة إلَّا افتعلَها، فدَعْهُ الليلةَ في قُبَّتي ولا تذهب به إلى مصعب، فإنه ساعةَ ينظرُ إليه يُدخلُه حصنَه.

فبات عنده ومعه بدرطرخان في القبة، وسار أسد يقصد عسكر المصعب، فوقع في مضائق، وعطش أسد والناس (٤).

[ونزل] (٥) أسد تحت شجرة، وجاء المجشّر بن مزاحم السُّلَمي، فقال: أيها الأمير، قد كان بدرطرخان في يدك، فلا أنت قبلتَ منه ما عرضَ، ولا أنت حبستَه حتى تنظر في أمرك، وخلَّيتَ سبيله، فإذا صار في حصنه فعلَ ما يريد.


(١) الدَّرَّاجة: الدَّبَّابة تُعمل لحرب الحصار، تدخل تحتها الرجال. "القاموس" (درج).
(٢) ما بين حاصرتين زيادة من "تاريخ" الطبري ٧/ ١٣٦.
(٣) من قوله: يصل إلى حصته … إلى هذا الموضع، من (د) وسقط من (ب) و (خ).
(٤) بعدها في (ب) و (د): ومولى، وفي (خ): وموالي. والظاهر أن في الكلام سقطًا. ففي "تاريخ الطبري" ٧/ ١٣٦ أن أسدًا مضى إلى نهر وقد عطش ولم يكن أحد من خدمه، فاستسقى، وكان السُّغدي بن عبد الرحمن أبو طعمة الجرمي معه شاكري (أي: أجير) له … فسقى أسدًا وقومًا من رؤساء الجند.
(٥) لفظة "ونزل" بين حاصرتين من "تاريخ" الطبري ٧/ ١٣٦.