للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولولا ما أُحاولُ من سدِّ الثَّغْر الذي أنا به لخفتُ أن يحملَني الشوقُ إلى أمير المُؤْمنين أن أستخلفَ رجلًا عن غير أمره، وأَقدَمَ لمعاينته، فإنَّها لا تَعْدِلُها عندي نعمة، فإنْ رأى أميرُ المُؤْمنين أن يأذنَ لي في المسير إليه لأُشافِهَه بأمور كرهتُ ذكرها في كتاب فعل (١).

[وقال الهيثم:] ولما بُويع الوليد جلس مجلسًا عامًّا، فأجرى النَّاسَ على ما كان لهم، ولم يُسأل عن شيء فقال لا. وأحسنَ إلى الخاصَّة والعامَّة، وأجرى الجِرايات على زَمْنَى أهل الشَّام وعُميانهم، وكساهم، وأمرَ لكلِّ إنسان منهم بخادم كما فعل الوليد بن عبد الملك، وزاد النَّاسَ في العطاء، وزاد مَنْ وفد إليه أَيضًا، وأقامَ دُور الضِّيافة للقادمين عليه، وأقام في المنازل للحجاج الضِّيافاتِ لهم ولدوابِّهم، فقيل له: [إنك تُبادر إلى نعم كثيرًا] لو تأنَّيتَ في المواعيد، فإنَّ للعِدَة عند الطالب حلاوةً. فقال: لا أُعوِّدُ لساني ما لم يَعْتَدْهُ. يعني ما قلتُ: لا، قطٌّ (٢).

وفيها عقدَ الوليدُ البيعةَ لابنَيه الحَكَم وعثمان، وذلك في رجب لمَّا مضى من خلافته شهران، وكتبَ بذلك إلى الآفاق [وإلى يوسف بن عمر].

فكتب يوسف بن عمر إلى نَصْر بن سيَّار نسخةَ الكتاب، وكان فيه أن يبايعَ مَنْ قِبَلَه من الأمراء والأشراف، ويؤكِّد عليهم العهودَ والمواثيق، فيُبايع أولًا للحَكَم، ثم من بعده لعثمان، فإن حَدَث بواحد منهما حادث (٣)، فأمير المُؤْمنين [أملكُ] في ولده ورعيَّته، يقدِّمُ من شاء، ويؤخِّر من شاء. وكتب في يوم الخميس النصف من شعبان سنة خمس وعشرين ومئة، وبعث يوسف بالكتاب إلى نَصْر مع عقَّال بن شَبَّة التَّمِيمِيّ، وعبد الملك بن نعيم القيني، فقرأ نَصْر كتابَه على أهل خُراسان، فأجابوا بالسمع والطاعة.


(١) تنظر المصادر السابقة. ولم يرد هذا الخبر في (ص). وذكر ابن حمدون في "التذكرة" أن هذا الكتاب من كلام عبد الحميد (بن يحيى الأنباري، المعروف بالكاتب).
(٢) تاريخ الطبري ٧/ ٢١٧ - ٢١٨. وينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٤٩٣ - ٤٩٤، و"المنتظم" ٧/ ٢٤٢. وما سلف بين حاصرتين من (ص).
(٣) في (ص): حَدَث.