للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما مات ببابل جعل في تابوت وطُلِيَ بالصبر والكافور، وحُمِلَ إلى الإسكندرية، قال ابن أبي الدُّنيا بإسناده عن محمد بن سليمان الكلبي قال: لما مات الإسكندر خرجت أمُّه في أحسن زيِّ نساء أهل الإسكندرية حتَّى وقفت على تابوته (١) فقالت: واعجبًا ممن بلغت السماء حكمته، وأقطارَ الأرض سلطانه، ودانت الملوك عنوة له، أصبح اليوم نائمًا لا يستيقظ وصامتًا لا يتكلَّم، محمولًا على يدي من لا يناله بِضُرِّهِ، ألا هل مبلِّغ عني الإسكندر بأنه وعظني فاتعظت، وعزَّاني فتعزيت، وصبَّرني فصبرت، ولولا أني لاحقة به ما فعلت، فعليك السَّلام يا بنيَّ، حيًّا وهالكًا، فنعم البُنَي كنت، ونعم الهالك أنت.

وفي رواية: ولولا علمي بأني لاحقتك لما صبرتُ، يا إسكندر، عليك السَّلام.

ثم أمرت به فدفن.

واختلفوا في سنِّه: فذكر جدِّي ﵀ في كتاب "أعمار الأعيان" أنَّه عاش ألفًا وست مئة سنة قال: وأهل الكتاب يقولون: عاش ثلاثة آلاف سنة (٢).

قلت: ولا يستبعد ذلك، فقد عاش عُوج بن عناق ثلاثة آلاف وست مئة سنة، حكاه جدي في "أعمار الأعيان" عن محمد بن إسحاق (٣)، وسنذكره في سيرة موسى ﵇.

قال ابن إسحاق: ولد في دار آدم ﵇.

وقال مجاهد: عاش الإسكندر ألف سنة مثل آدم، والله أعلم.

[فصل في ذكر كلام الحكماء على تابوته]

قال ابن أبي الدُّنيا بالإسناد الماضي عن المبارك بن فضالة عن الحسن، قال: كان الإسكندر أول من خَزَّن الأموال تحت الأرض، فلمَّا حضرته الوفاة دعا ابنه الأكبر، وكان ولي عهده، فقال له: يا بني، إنِّي أراني لما بي، فإذا أنا مت فابعث إلى حُذَّاق


(١) في (ل): "ناموسه". والمثبت من (ب)، وانظر "الاعتبار" (٦٧).
(٢) "أعمار الأعيان" ص ١٢٨.
(٣) "أعمار الأعيان" ص ١٣٠.