للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصاغة فأدخلهم الخزائن فلينتقوا جيِّد هذا الذَّهب على أعينهم، ثم ليصوغوا تابوتًا، ثم أدخلني فيه، ثم ضعني في وسط قصري، وابعث إلى أهل مملكتك وإلى العلماء منهم فليتكلم كلُّ واحد منهم بما يعلم.

فلمَّا هلك الإسكندر فعل ابنه ما أمره به أبوه، وبعث إلى العلماء، وكانوا ثلاثة عشر رجلًا، فأقبلوا حتَّى أطافوا بالتابوت، كأنهم علموا ما يُراد منهم. فقال لهم ابنه: قوموا فتكلَّموا بما تعلمون. فقام الأول فقال وقد وضع يده على التابوت: سلك الإسكندر طريق مَن قُبِر، وفي موته عبرة لمن بقي. ثم قام الثَّاني فقال: هلك الإسكندر ومن يملك من بعده يهلك كما هلك. ثم قام الثالث وقال: خلَّفَ الإسكندر ملكه لغيره يحكم فيه بغير حكمه. ثم قام الرابع فقال: تفرَّقنا لموتك وقد فارق الإسكندر من كان به يغتبط. ثم قام الخامس فقال: أصبح الإسكندر مشتغلًا بما عاين وهو بالأعمال يوم الجزاء أشغل. ثم قام السادس وقال: إسكندر كان يُخزِّنُ الذَّهب في الخزائن فأصبح مخزونًا في الذهب. ثم قام السابع فقال: من كان يرجو روح الآخرة فليعمل عملًا يُقبلُ منه ويُرفع. ثم قام الثامن فقال: إسكندر صرت حديثًا وأنا مثلك وشيكًا. ثم قام التاسع فقال: إسكندر وردتَ يوم وردت ناطقًا وصدرتَ يوم صدرت صامتًا. وقام العاشر فقال: خَضعَتِ الآفاق لموتك وفيك عبرةٌ لمن أبصر. ثم قام الحادي عشر فقال: أرى مصيبتك بعد نعمة وكلُّنا ينزل به ما نزل بك. ثم قام الثَّاني عشر فقال: هذا آخر عهدنا بك، مُنِعتَ جواب من يخاطبك. ثم قام الثالث عشر فقال: السَّلام على من رضي دار السَّلام وأُدخِلَ في دار السَّلام (١).

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني عون بن إبراهيم وإسناده إلى زهير بن عبَّاد أنَّه قال: لما حضرتْ ذا القرنين الوفاةُ كفَّنوه ثم وضعوه في تابوت من ذهب، فقالت الحكماء: تعالوا حتَّى نتكلمَ عليه ونعتبر، فقال أولهم: إن هذا الشَّخص كان لكم واعظًا ولم يعظكم بأبلغ من مصرعه هذا. وقال الثَّاني: إنَّ الإسكندر لما فارق الأنجاس صارت روحه إلى روح الطاهرين فيا طوبى له. وقال الثالث: من كانت حياته لله فإن وفاتَه لله،


(١) "الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان" (٦٩).