للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أين المواثيق والعهود؟ فتركه وهو يصيح: يا أبة، لو رأيت ما أنا فيه لأحزنك وساءك. ثم أجْمعوا على أن يُلقوه في غيابة الجب، فلمَّا دلُّوه جعل يتعلق بجوانب البئر، فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه، رُدُّوا عليَّ قميصي أُواري به عورتي، فقال له روبيل، وكان عليه أشدَّ من الباقين: يا ابنَ راحيل، يا صاحب الأحلام، ادعُ الشَّمسَ والقمر والكواكبَ تخلصك. ثم دلُّوه في البئر، فلما بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت، وكان في البئر ماءٌ فوقع فيه، ثم أوى إلى صخرة فقام عليها، وجعل يبكي، فنادوه فظنَّ أنها رحمة له، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فمنعهم يهوذا، وكان أحنَّ عليه منهم لأنَّه كان ابن خالته، وكان يأتيه بطعام ويتفقد أحواله. قال ابن عباس: وأمر الله الصخرة فارتفعت من الأرض ووقف عليها وهو عريان، وكان إبراهيم لما ألقي في النَّار جرَّدوه من ثيابه فجاءه جبريل بقميص من حرير الجنَّة فألبسه إيَّاه، فلمَّا توفي إبراهيم ورَّثه إسحاق، فلما مات إسحاق ورَّثه يعقوب، فلما شبَّ يوسف جعل يعقوبُ القميصَ في تعويذٍ وجعله في عنقه، فلما أُلقي في الجبِّ جاءه جبريل فأخرج القميص من التعويذ فألبسه إيَّاه. وأضاءَ له الجبُّ وعَذُبَ ماؤه، وأَنِسَ بجبريل، فلما أراد جبريل أن ينصرف قال له يوسف: إنِّي أستوحش، فقال: إذا استوحشت فقل: يا صريخَ المستصرخين، ويا غوث المستغيثين، ويا مفرِّج كرب المحزونين، قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك شيء من أمري، فاجعل لي ممَّا أنا فيه فرجًا ومخرجًا. -وفي رواية: يا قريبًا غير بعيد، ويا شاهدًا غير غائب- فلما قالها حفَّتِ الملائكة بالجبِّ، واستأنس. وقيل: إنه ما بات فيه بعدما دعا بهذا الدعاء (١). وقال ابن عباس: أقام في الجب ثلاثة أيَّام وإخوته حول الجب يرعون أغنامهم، ويهوذا يحرسه منهم لئلا يقتلوه.

واختلفوا في مبلغ سنِّه حين ألقي في الجب على أقوال:

أحدها: أنَّه كان له اثنتا عشرة سنة، قاله مقاتل.

والثاني: سبع عشرة سنة، قاله مجاهد.

والثالث: ثمان عشرة سنة، قاله الرَّبيع. والأول أظهر.


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ١١٥ - ١١٦.