للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محبوسان في الخضراء بدمشق- وضَمِنَ مروانُ عنهما ألا يُؤاخِذَا مَنْ قتلَ أباهما [وألا] (١) يطلبا أحدًا ممَّن تولَّى قَتْلَه، فأبى سليمان عليه، وقاتلَه أيَّامًا.

فلما كان في بعضها وقد اقتتلوا من حين ارتفاع النهار إلى العصر وقد استحرَّ القتل بينهما، وكثُرت الجراحات في الفريقين، وبين العسكرين نهرٌ جرَّارٌ -وهو الذي يجري في البِقاع بين جبلين- فرتَّب مروان جماعةً من أصحابه وقال: ارتفعوا عنا ناحية الجبل، فاقطعُوا الأشجار، واعملُوا جسورًا واعبُرُوا عليها. وكانوا عَشَرَة آلاف، ففعلوا ذلك، وقطعوا النهر، فلم يشعر بهم سليمانُ إلا وقد خالطُوا عسكرَه وهو مشغول بالقتال من ناحية النهر، فانكسروا وانهزموا إلى دمشق، وقُتل منهم نحو من ثمانية عشر ألفًا، وأُسر مثلُهم، وغنمَ مروانُ ما في عسكرهم، وأخذَ البيعةَ للحَكَم وعثمان على الأُسارى، وأعطى كل واحد منهم دينارًا دينارًا (٢).

وكان في جملة المنهزمين إلى دمشق مع سليمان يزيدُ بنُ خالد بن عبد الله القَسْريّ، وأصبحوا بدمشق، وسار مروان في إثرهم. فلما قرب من دمشق؛ اجتمع الذين باشروا قتل الوليد إلى إبراهيم وعبد العزيز ويزيد بن خالد، وقالوا: إن بقيَ الغلامانِ في الحبس حتى يَقْدَمَ مروان ويصيرَ الأمر لهما؛ لم يستبقيا أحدًا من قَتَلَةِ أبيهما، فالرأُيُ أن نقتلَهما. وولَّوْا ذلك يزيدَ بنَ خالد القَسْريَّ (٣).

وكان معهما في الحبس أبو محمد السُّفياني، ويوسفُ بنُ عمر، فأرسل يزيدُ بن خالد مولًى له يُكنى أبا الأسد في عِدَّة من أصحابه، فدخلَ السجن، فشدخَ الغلامَين بالعُمُد، وأخرجَ يوسفَ بنَ عمر، فضربَ عنقَه، وقصدُوا السفيانيَّ ليقتلوه، فدخل بيتًا صغيرًا، وأغلق بابَه، وألقى عليه الوسائد، واعتمد على الباب، فلم يقدروا على فتحه،


(١) ما بين حاصرتين من "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٠١.
(٢) الخبر في "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٠١ مع اختلاف في الأرقام الواردة فيه.
(٣) المصدر السابق ٧/ ٣٠١ - ٣٠٢، وتاريخ دمشق ٥/ ٢٤٠ - ٢٤١ (مصورة دار البشير- ترجمة الحكم بن الوليد). وينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٥٤٩، و"تاريخ دمشق" ٤٧/ ٤٠ - ٤١ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة عثمان بن الوليد).