للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منكم، فباعوه منه، فذلك قوله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ أي: باعوه. واختلفوا فيه، قال قتادة: ظُلْم. وقال الضَّحَّاك ومقاتل والسدي: حرام لأنَّ ثمن الحرِّ حرام، وقال الشعبي: قليل. وقال مقاتل بن حيان: زيفُ دراهم.

فإن قيل: فَلِم قال: ﴿مَعْدُودَةٍ﴾ [يوسف: ٢٠] ونحن نعلم قطعًا أن الدراهم معدودة؟ فالجواب: أنَّه على وجه المبالغة في التحقير، لأنَّ القليل يُعَدُّ، والكثير يوزَن، وما كانوا يَزِنون أقل من أربعين درهمًا، وإنَّما كانوا يَعدونها عَدًّا، فإذا بلغ أربعين وزنوه، لأنَّ ذلك عندهم أوقية. وقيل معناه: باعوه بدراهم ناقصة غير وافية لزهدهم فيه.

واختلفوا في مبلغ عدد الدراهم التي باعوه بها على أقوال:

أحدها: عشرون درهمًا، قاله ابن مسعود وابن عباس وقتادة والسدي، اقتسموها درهمين درهمين.

والثاني: بتسعة عشر درهمًا، ونعلين، اقتسموها درهمين درهمين، وأخذ واحد منهم درهمًا مع النعلين، قاله عكرمة.

والثالث: اثنان وعشرون درهمًا، قاله مجاهد.

والرابع: ثلاثون درهمًا، قاله عكرمة.

والخامس: أربعون درهمًا. والأول أصحُّ، ولم يذكر الثعلبي النعلين (١).

فإن قيل: فما معنى النعلين؟ قلنا: فيه إشارة إلى التواضع، لأنَّ من كان في ثمنه نعلان فهو حقير الثمن، فإذا مَلَكَ مِصرَ لا ينبغي له أن يتكبر بل يتواضع.

قلت: ما جرى على يوسف من أصحاب هذه التأويلات قليلٌ، فإنَّه لو ملك الدُّنيا من المشرق إلى المغرب بالنسبة إلى ما جرى عليه لكان ذلك حقيرًا لا يساوي نعلين.

﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ [يوسف: ٢٠] يعني إخوته، لأنهم لم يعلموا كرامته على الله تعالى، ولا منزلته عنده، ولا ما يؤول أمره إليه.


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ١١٩.