للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا أهل المدينة، واللهِ إنَّا لم نخرجْ من ديارنا وأموالنا أشَرًا ولا بَطَرًا، ولا عَبَثًا ولا لَهْوًا، ولا لدولة مُلك، ولكنَا رَأَينَا مصابيحَ الحقِّ قد عُطِّلَتْ، وعُنِّفَ القائلُ بالحقِّ، وقَلَّ القائمُ بالقِسْط، فضاقَتْ علينا الأرضُ بما رَحُبَتْ، وسمعنا داعيًا يدعو إلى طاعة الرحمن، وحُكْم القرآن، فأجَبْنا داعيَ الله، ومن لم يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض (١)، وإنَّا لَقِينا رجالكم بقُدَيد، فدَعَوْناهم إلى طاعة الرحمن وحُكْم القرآن، فدَعَوْنا إلى طاعة الشيطان وحُكْم ابنِ مروان، فشتَّانَ ما بين الغَيِّ والرُّشْد. يا أهل المدينة، أوَّلُكم خيرُ أوَّل، وآخِرُكُم شرُّ آخِر. [يا أهل المدينة] الناسُ منَّا ونحنُ منهم إلا [مشركًا عابدَ وثن، أو مشركَ أهلِ كتاب، أو إمامًا جائرًا. يا أهل المدينة] مَنْ زعَمَ أنَّ اللهَ كلَّفَ نفسًا فوق طاقتها، وسألَها ما لم يُوتها؛ فهو عدوٌّ لله، وحربٌ لنا. يا أهل المدينة، أخبِرُوني عن ثمانية أسهم فَرَضَها اللهُ في كتابه على القويِّ والضعيف، فجاء تاسعٌ ليس له منها سهمٌ واحد، وأخذ الجميعَ لنفسه مكابرًا محاربًا للهِ ورسولِه. يا أهل المدينة، بلغني أنكم تنتقصون أصحابي وتقولون: شبابٌ أحداث، وأعرابٌ جُفاة، وهل كان أصحابُ رسول الله Object إلا شبابًا أحداثًا؟ وأصحابي واللهِ شبابٌ مكتهلُون (٢) في شبابهم، غاضةٌ عن الشَّرِّ أعينُهم، ثقيلةٌ عن الباطل أقدامُهم، قد باعوا اللهَ أنفسًا تموتُ بأنفسٍ لا تموت، صيامٌ نهارُهم، قيامٌ ليلُهم مَحْنِيَّةٌ أصلابُهم على تلاوة القرآن، كلَّما مرُّوا بآية خوفٍ شهقوا خوفًا من النار، وإذا مرُّوا بآية شَوْقٍ؛ شهقوا شوقًا إلى الجنّة. فلما نظروا إلى السيوف وقد انتُضِيَتْ، والرِّماحِ وقد أُشْرِعَتْ، وإلى السهام وقد فُوِّقَتْ، وأُرْعِدَت الكتيبةُ بصواعق الموت؛ استَخَفُوا وعيدَ الكتيبةِ لوَعْدِ الله تعالى (٣)، ولم يستخفُّوا وَعْدَ الله (٤) لوعيد الكتيبة، فطُوبى لهم وحسنُ مآب. فكم من عينٍ في منقار طائر طالما فاضَتْ في جوف الليل من خوف الله، وكم يدٍ (٥) زالتْ من مَفْصِلِها


(١) اقتباس من قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأحقاف: ٣٢].
(٢) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٩٦: شبابٌ واللهِ مكتهلون … إلخ، دون قوله: وأصحابي.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٩٧: لوعيد الله تعالى.
(٤) في المصدر السابق: وعيد الله.
(٥) في "تاريخ" الطبري: وكم من يدٍ.