للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما صالح بن علي؛ فقدَّم بين يديه أبا عَوْن، وكان مروان بالفَرَمَا (١)، ووصل صالح إلى العَرِيش، فأحرقَ مروانُ ما كان معه من طعام وعَلَف، وسارَ حتى قطعَ النيل، وأغرق الجسور (٢)، ونزلَ بِبُوصِير، فجاءه فقتلَه لما يُذكر في ترجمته إن شاء الله تعالى.

وفيها خلعَ أبا العبَّاس بالشام والجزيرة جماعةٌ، منهم أبو الوَرْد مجزأة بن الكوثر بن زُفر بن الحارث الكلابيّ، وكان من قوَّاد مروان، فلما انهزم كان أبو الوَرْد بقِنَّسْرِين، فلمَّا مرَّ به عبدُ الله [بن علي] بايعَه، وكان ولد مَسْلَمة بن عبد الملك مقيمين ببَالِس والنَّاعورة، مجاورين لأبي الوَرْد، فقَدِمَ قائدٌ من قُوَّاد عبدِ الله في مئة وخمسين فارسًا عَلى ولد مسلمة، فبعث (٣) بهم، ونزلَ في حصن مسلمة، فأرسلُوا إلى أبي الوَرْد يسألونه، فغضب، وسار إلى القائد، فقتلَه ومَنْ معه، وخلع أبا العبَّاس، ولبسَ البياض، ودَعَا أَهلَ قِنَّسْرِين إلى ذلك، فأجابوه، وأبو العباس يومئذ بالحِيرة، وعبدُ الله بالبَلْقاء يحاربُ حبيب (٤) المُرِّيّ، فإنه خرجَ على عبد الله لما قتل بني أمية، وقاتلَه.

فلمَّا بلغ عبدَ الله خبرُ أبي الورد صالحَ حبيبًا وأمَّنَهُ ومن معه، ورجعَ إلى دمشق، فخلَّف فيها أبا غانم عبد الحميد بن ربعيّ الطائي (٥) في أربعة آلاف، وخلَّف امرأتَه أمَّ البنين بنت محمَّد بن عبد المطلب النوفلية وأمهاتِ أولاده وثَقَلِه، وسار يطلبُ قِنَّسْرِين.

فلما بلغَ حمصَ انتقضَتْ عليه دمشق، وثارَ أهلُها مع عثمان بن عبد الأعلى بن سُراقة الأزديّ، وقاتلوا أبا غانم، فهربَ، فنهبوا ثَقَلَ عبدِ الله، ولم يتعرضوا لأهله، وسارَ عبدُ الله إلى أبي الوَرْد ومعه أخوه عبد الصمد، فكانوا في عشرة آلاف، وأبو الوَرْد في أربعين ألفًا من أهل قِنَّسْرِين وحمص وتدمر، وقدَّموا عليهم أبا محمَّد بن زياد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية -وقيل: هو زياد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية (٦)، وقيل: زياد بن عبد الله بن


(١) بالتحريك والقصر: مدينة على الساحل من ناحية مصر. ينظر "معجم البلدان" ٤/ ٢٥٥.
(٢) كذا في (خ). وغير واضحة في (د)، ولعل الصواب: وأحرق الجسور. فعند الطبري ٧/ ٤٤١: قطع الجسر وحرَّق ما حوله.
(٣) كذا. ولعل الصواب: فعبث.
(٤) في (خ) و (د): ابن حبيب (وكذا في الموضع التالي) وهو خطأ، وهو حبيب بن مُرَّة المُرِّي. وينظر "تاريخ" الطبري ٧/ ٤٤٣، و"الكامل" ٥/ ٤٣٣.
(٥) في (خ) و (د): الكناني، والتصويب من "تاريخ" الطبري ٧/ ٤٤٤، و"الكامل" ٥/ ٤٣٣.
(٦) رجَّح البلاذُري هذا القول في "أنساب الأشراف" ٣/ ١٩٠.