للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما ورَدْتُ نيسابور؛ إذا كتابُه قد وردَ على عاملها بمثل ذلك؛ إلا أنه يقولُ فيه: إذا قدم عليك فأشْخِصْهُ ساعةَ يَقْدَم، ولا تدعه يُقيم، فإنَّ أرضَك أرضُ خوارج، ولا آمنُ عليه. فطابت نفسي وقلت: أراه يُعْنَى بي.

فلما كنتُ على فرسخين من مَرْو تلقَّانى أبو مسلم في الناس، فلما رآني ترجَّل ومشى إليَّ وقبَّل يدي، فقلت له: اركب. فركْبَ، وأنزلَني دارًا بمَرْو، وأقمتُ ثلاثًا لا يكلِّمُني، وقال لي في اليوم ائرابع: ما الذي أقدمَك؟ فأخبرتُه، فقال: أوَفعلَها أبو سَلَمة؟! أنا أكفيكُمُوه. ودعا مرَّار بنَ أنس الضَّبِّيّ، وقال: انطلق إلى الكوفة فاقْتُلْ أبا سلمة حيث لقيتَه، وانته في ذلك إلى رأي الإِمام.

فقدم الكوفةَ وقعدَ له في طريقه، فقتلَه ليلًا، وقالوا: قتَلَتْه الخوارج.

وكان أبو مسلم يأتي أبا جعفر في تلك الأيام، فينزل على باب الدار، ويجلس في الدِّهليز ويقول: استأذنوا لي على أبي جعفر. فكان أبو جعفر يقول لغلمانه: إذا جاء فافتحوا له الباب، وليدخل على دابَّته. فعرفه الغلمان، فقال: لا بدَّ من الإذْن (١).

وفي رواية: أنَّ أبا العبَّاس كتب إلى أبي مسلم يخبرُه بما كان عزمَ عليه أبو سَلَمة من الغشّ، فكتب إليه: إنْ كان أمير المؤمنين قد اطَّلع على ذلك منه فَلْيَقْتُلْهُ، فقال داود بن عليّ لأبي العبَّاس: لا تفعل، فيحتجَّ عليك به أبو مسلم وأهلُ خراسان، ولكن اكتُبْ إليه ليتولَّى هو أمْرَ قَتْلِه. فكتب إليه، فأرسلَ إليه، فقتلَه، وسنذكرُه إن شاء الله (٢).

وقيل: لما قُتل أبو سَلَمة؛ بعث أبو العبَّاس أخاه أبا جعفر إلى أبي مسلم في رجال من الشيعة، فيهم الحجّاج بن أرطاة، وإسحاق بن الفضل الهاشمي، فقوموا عليه بخُراسان، فركب أبو جعفر يومًا، وسايَرَه سليمانُ بنُ كثير وعُبيد الله بن الحسن الأعرج، فقال له سليمان: يا أبا جعفر، إنَّا كنَّا نرجو أن يتمَّ أموكم، فإذا تمَّ (٣) فادعونا


(١) ينظر الخبر بتمامه في "تاريخ" الطبري ٧/ ٤٤٨ - ٤٤٩. وينظر أيضًا "أنساب الأشراف" ٣/ ١٧٥.
(٢) ينظر "تاريخ الطبري" ٧/ ٤٤٩.
(٣) في "تاريخ الطبري" ٧/ ٤٥٠، و"الكامل" ٥/ ٤٣٧: فإذا شئتم، وهو الأشبه. وكذا وقع في "أنساب الأشراف" ٣/ ١٨٨، وبعض الخبر فيه.