للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والثاني: لأنهن بغين عليها، والبغي مصرع، فعوقبن بقطع الأيدي.

﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا﴾ [يوسف: ٣١] أي: ببشر ﴿قَالتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ أي: في حبي له. ثم أخبرتهن بما هو أحسن من الصورة الظاهرة، وهو العفاف الباطن، وأقرَّت فقالت: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ أي: امتنع واستعصى عليَّ، فقلن له: أطع مولاتك، فقالت راعيل: ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ﴾ أي: يطاوعني فيما دعوته إليه ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف: ٣٢] أي: الأذلاء.

وقال مجاهد: ولما راودته ثانيًا اختار السجن على مباشرة المعصية، فقال: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيهِنَّ﴾ أي: أميل وأتابعهن ﴿وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: ٣٣] أي: العاصين.

فإن قيل: إنما راودته راعيل، وهي واحدة، فكيف قال: ﴿مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيهِ﴾ فالجواب: إنهن أشرن عليه، فانصرف الكلام إليها وإليهن ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)[يوسف: ٣٤] بمكرهنَّ.

[فصل في سجنه]

قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ﴾ أي: للعزيز وأصحابه ﴿مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ﴾ وهي شهادة الطفل، وقدُّ القميص من دُبر، وقطعُ النسوة أيديهن ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ [يوسف: ٣٥] وهذه لام اليمين. والحين: الوقت، والمراد به ها هنا: سبع سنين، وقال الكلبي: خمس سنين، والأول أصح.

وقال السُّدي: قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني بين النَّاس، يقول: راودتني عن نفسي، فإما أن تأذن لي أن أخرج فأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني، فحبسه بعد علمه ببراءته، فجعل الله الحبس تطهيرًا ليوسف من همِّه بالمرأة وتكفيرًا لزلته (١).

وقال ابن عباس: عثر يوسف ثلاث عثرات: حين همَّ بها فسجن، وحين قال للساقيَ: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: ٤٢] فلبث في السجن بضع سنين وأنساه


(١) "عرائس المجالس" ١٢٤.