للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعث بالكتابين مع محمَّد بن عبد الرحمن بن أَسْلَم -وأسْلَم مولى رسول الله وقال لمحمد: العجلَ العجلَ ولا تكن كوافد قوم عاد لما قدم مكةَ.

فسار الرسول حتى قدم المدينة، فبدأ بجعفر، فدفع إليه الكتابَ، فقال: من أين هذا؟ قال: من أبي سَلَمة. فقال: ما لي ولأبي سلمة؟! وكان ليلًا، فقرَّب الكتابَ إلى السراج فأحرقَه.

ومضى الرسول إلى عبد الله بن حسن بالكتاب الآخر، فلما قرأه، سُرَّ به، وقام من فوره، فركب حمارَه، وأتى منزل جعفر (١)، فلمَّا رآه جعفر؛ أعْظَمَهُ -وكان عبدُ الله أسنَّ منه- وقال له: ما الذي أتى بك؟ فأخبره الخبر، فقال جعفر: ومتى كان أهلُ خُراسان شيعةً لنا؟ أنتَ بعثتَ أبا مسلم إلى خُراسان، وأمرتَه بلُبس السواد؟ قال: لا. قال: فما لَك ولهدْا؟ فغضب عبدُ الله وقال: واللهِ ما بك إلا الحَسَدُ لابني محمَّد، وإنَّه مهديُّ هذه الأمة. فقال جعفر: واللهِ لقد كتبَ إليَّ بمثل ما كتبَ إليك، فأحرقتُ كتابَه قبل أن أقرأه. فانصرفَ عبدُ الله مُغْضَبًا، وأقام الرسولُ بالمدينة حتى بُويع أبو العبَّاس، ولولا الطُّوسيُّ لَمَا بُويع، وسنذكرُه إن شاء الله تعالى (٢).

وتيقَّن أبو العباس ذلك، فتنكَّر لأبي سلمة، فعاتَبَه أبو سلمة يومًا، فقال أبو العباس: ما علمتُ إلا خيرًا، هذا عبدُ الله بن عُمر يقول لابنه سالم:

وجلدةُ بينَ العينِ والأنفِ سالمُ (٣)

وأنت جلدةُ وجهي كلِّه. وإنما قصدَ أن يُطَمْئِن في أوَّل الأمر.

ثم بعث أخاه أبا جعفر أَبِي أبي مسلم يستطلع رأيَه على ما ذكرنا (٤)، وكتبَ معه:


(١) في "مروج الذهب" ٦/ ٩٤ (والخبر فيه): فلما كان من غد ذلك اليوم الذي وصل فيه الكتاب ركب عبد الله حمارًا حتى أتى منزل جعفر.
(٢) الخبر في "مروج الذهب" ٦/ ٩٣ - ٩٧ باختلاف يسير وخبر الطوسيّ (وهو أبو حُميد) فيه بإثره.
(٣) عجز بيت، وصدرُه: يلومونني في سالم وألومُهم. ويُروى: يديرونني عن سالم وأديرهم. وينظر "المعارف" ص ١٨٦، و"العقد الفريد" ٢/ ٤٣٧، و ٥/ ٢٨٧، و"التذكرة الحمدونية" ٨/ ٢٨٨ و ٣٩٨، و"المصون في الأدب " ص ١٠٣ والحاشية على الخبر فيه.
(٤) سلف خبر إرسال أبي العباس أبا جعفر إلى أبي سلمة قريبًا (قبل الكلام على إبراهيم الإِمام).