للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: سله: لِمَ كنتُم تشربون الخمر وهي محرَّمةٌ عليكم في كتابكم؟! قلت: فعلَ ذلك عبيدٌ وأتباعٌ وأعاجمُ دخلُوا في ملكنا من غير رأينا.

قال: فلِمَ كنتُم تلبسون الحريرَ والدِّيباج، وتُحَلّون سُروجَكم بالذَّهب والفضَّة، وهو محرَّمٌ عليكم؟! فقلتُ: فعلَ ذلك عبيدٌ وأتباع.

قال: فلِمَ كنتُم إذا خرجتُم إلى الصَّيد تقحَّمْتُم القُرى، وكَلَّفْتُم أهلَها ما لا طاقةَ لهم به بالضَّرب الوجيع، وأكلتُم أموالهم بغير الحق، ثم ما كفاكم ذلك حتى تَجُوسُوا زُروعهم، فتُفسدوها في طلب دُرَّاج -أو عصفور- قيمتُه نصفُ درهم، والفسادُ محرَّمٌ عليكم في دينكم؟! فقلت: عبيدٌ وأتباع.

فقال: لا والله، ولكنَّكم استَحْلَلْتُم ما حرَّم الله، وأتيتُم ما نهاكم عنه، فسلبَكم العزَّ، وألبسكم الذّلَّ، ولله فيكم نِقْمَةٌ لم تبلغْ غايتَها، وإني أتخوَّفُ عليكم أن تنزل بك النِّقْمةُ إذْ كنتَ من الظَّلَمة، فتشملَني معك، فإنَّ النِّقْمَةَ إذا نزلَتْ عَمَّتْ وشَمَلَتْ، فاخْرُجْ من بلادي بعد ثلاث، فإني إنْ وجَدْتُك بعدَها قتَلْتُك وأخَذْتُ جميعَ ما معك وقتَلْتُ أصحابَك. ثم قام وخرج.

فأقمتُ ثلاثًا، ثم عُدْتُ إلى مصر مستخفيًا، فغُمز عليَّ، فأخذَني عاملُك، فبعثَ بي إليك، وها أنا ذا والموتُ أحبُّ إليَّ من الحياة.

فهمَّ أبو جعفر بإطلاقه، فقال له إسماعيل بنُ علي: في عنقي له بيعة. قال: فماذا ترى؟ قال: يُترك في بعض دُورنا، ويَجري عليه ما يجري على أمثاله.

قال: ففعل. فوالله ما أدري أمات في حبسه، أم أطلقه المهديّ. ويحتمل أن الواقعة كانت مع المهديّ (١).

ذكر قضاة مروان وكتَّابه وحجَّابه ونحو ذلك:

كان على قضائه عثمانُ بنُ عُمر بن موسى بن عبد الله (٢) بن معمر التَّيميّ، وكان عالمًا فاضلًا.


(١) الخبر في "تاريخ دمشق" ٤٤/ ٤١٨ - ٤٢١ باختلاف يسير وبعض زيادة.
(٢) في "تاريخ دمشق" ٤٧/ ٧: عُبيد الله.