للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال سفيان بن عُيينة: كان منصور قد عَمِشَ من البكاء؛ كانت له خرقة ينشّف بها الدموع، وزعموا أنه صام ستين سنة، وقام ليلَها (١).

وقال زائدة بن قُدامة: صام منصور أربعين سنة (٢)؟ [صام] (٣) نهارها وقام (٤) ليلَها، وكان يبكي الليل كلَّه، فتقول له أمُّه: يا بني، قتلت قتيلًا! فيقول: أنا أعلم ما صنعتُ بنفسي. فإذا أصبحَ كَحَلَ عينيه، ودهَنَ رأسَه، وبرَّق شفتيه، وخرج إلى الناس، فأخذَه يوسفُ بنُ عمر عاملُ الكوفة، فأراده على القضاء، فامتنع.

قال زائدة: فدخلتُ عليه وقد جيء بالقيد ليُقيَّد، فجاءه خصمان، فقعدا بين يديه، فلم يسألهما، ولم يكلِّمهما. وقيل ليوسف: لو نثرتَ لحمه؛ لم يلِ لك قضاءً. فخلَّى عنه.

وقال أبو عَوَانة: لما أُجلس للقضاء؛ كان يأتيه الرَّجلُ فيقصُّ عليه أمرَه، فيقول: قد فهمتُ ما قلتَ، ولكن ما أدري ما الجواب. وبلغَ ابنَ فبيوة فقال: هذا أمرٌ لا يصلح إلا أن نعينَ عليه صاحبَه بشهوة. فتركه.

وقال [العلاء بن] (٥) سالم العبدي: كان منصور يصلِّي في سطحه، فلما مات؟ قال غلامٌ لأمه: يا أمَّاه، الجِذْعُ الذي كان في سطح منصور؛ ما أراه؟ فقالت: ليس ذاك بجذع، ذاك منصور، وقد مات!

وقيل: كان منصور يحيي الليلَ كلَّه في ركعة لا يركع فيها ولا يسجد.

وقال سفيان: إنما كان الليلُ مطيَّةً عند منصور من المطايا متى شاء ارتحل (٦).

أسند عن أنس (٧) وغيره، وكان ثقةً مأمونًا عاليًا رفيعًا، كثيرَ الحديث (٨).


(١) طبقات ابن سعد ٨/ ٤٥٦.
(٢) صفة الصفوة ٣/ ١١٢. وفي "حلية الأولياء" ٥/ ٤١ عن زائدة وسفيان: ستين سنة.
(٣) ما بين حاصرتين من "صفة الصفوة". وفي "الحلية": يصوم.
(٤) في (خ) و (د): وقيام، والمثبت من "صفة الصفوة". وفي "الحلية": يقوم.
(٥) ما بين حاصرتين من المصدرين السابقين.
(٦) في "صفة الصفوة" ٣/ ١١٤: ارتحله.
(٧) كذا ذكر أبو نُعيم في "حلية الأولياء" ٥/ ٤٢، وابن الجوزي في "صفة الصفوة" ٣/ ١١٥، غير أن الذهبي قال في "سير أعلام النبلاء" ٥/ ٤٠٢: ما علمتُ له رحلة ولا رواية عن أحد من الصحابة.
(٨) تنظر الأقوال السالفة في "حلية الأولياء" ٥/ ٤٠ - ٤٢.