للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذَكَر السبئية وعابَهم؛ حيث جعلوا الرياسةَ والخلافةَ في غيرنا (١).

ثم قال: فلما قبض الله رسوله قام بالأمر من بعده أصحابه، فحووا مواريث الأمم، وعدلوا فيها، ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزوها وتداولوها، فجاروا فيها، وظلموا أهلها، واستأثروا بها، فأملى الله لهم حينًا حتى آسفوه، فانتقم منهم بأيدينا، وردَّ علينا حقَّنا، وتولَّى نصرَنا والقيامَ بأمرنا ليمُنَ بنا على الذين استُضعفوا في الأرض، وختَمَ بنا كما افتتَحَ بنا، وأنا السفاح المُبيح، والثائر المُبِير.

ثم أثنى على أهل الكوفة، وزادهم في أعطياتهم مئةَ درهم مئة درهم، فدعوا له.

وكان موعوكًا، فاشتدَّ به الوَعْكُ، فجلس على المنبر وقام داود دونه بمرقاتين فقال: الحمد لله الذي أهلك عدوَّنا، وأصار إلينا ميراثَنا من نبينا ﷺ.

أيها الناس، أقشعت حَنادِسُ (٢) الدنيا، وانكشف غطاؤها، وأشرقت أرضُها وسماؤها، وطلعت شمسُها من مطلعها، وبزغ قمرها، ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم؛ أهلِ الرأفة لكم، والعطف عليكم.

أيها الناس، إنَّا والله ما خرجنا لنكثر مالًا، ولا لنحفر نهرًا، ولا لنبني قصرًا، ولقد كانت أموركم تُمِضُّنا (٣)، ويعزّ علينا سوءُ سيرة بني مروان فيكم، واستذلالُهم لكم، واستئثارُهم بفيئكم ومغانمكم، والآن لكم ذمَّة الله، وذمَّة رسوله، وذمَّة العباس أن نحكم فيكم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، فتبًّا لَبني حرب وبني مروان؛ حيث آثروا [العاجلةَ على الآجلة، والدار الفانية على الباقية، فركبوا] (٤) الآثامَ، وظلموا الأنامَ، وانتهكوا المحارم، وغشوا الجرائم (٥)، وجاروا على العباد، وأفسدوا في البلاد، وركضوا في


(١) كذا في (د) و (خ)، وفي تاريخ الطبري ٧/ ٤٢٥ وغيره: وزعمت السبئية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا.
(٢) الحنادس، مفردها الحِنْدس: وهي الظلمة، والحنادس: ثلاث ليال من الشهر؛ لظلمتهن. اللسان:
(حندس).
(٣) مضّه الشيء وأمضّه: بلغ من قلبه الحزن به. القاموس: (مضض).
(٤) ما بين حاصرتين من (د).
(٥) في (د) و (خ): وعبثوا بالجرائم، والمثبت من تاريخ الطبري ٧/ ٤٢٧.