للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طائرًا أحسن منه، فقالت: ألا أريكِ ما هو أحسنُ منه؟ قلتُ: بلى. فأخذت بيدي، فأدارت بي في تلك الروضة حتى انتهتْ بي إلى باب قصر، فاستفتحت، ففُتح لها بابٌ ظهر منه شعاع استبان من ضوء نوره ما بين يدي وما خلفي، فقالت: اُدخلي، فدخلت إلى بيتٍ يَحار فيه البصر، يتلألأُ حسنًا، ما أعرفُ في الدنيا شيئًا أشبِّهه به، فبينا نحن نجول فيه إذ رُفع لنا باب إلى بستان، فأهوتْ نحوَه وأنا معها، فتلقَّانا وصفاء كأنَّ وجوههم اللؤلؤ، بأيديهم المجامر، فقالت: أين تريدون؟ قلن: نريد فلانًا، قُتل في البحر شهيدًا، قالت: أفلا تجمِّرن هذه المرأة؟ فقلن: قد كان لها حظٌّ في ذلك فتركته. قالت رابعة: فأرسلتْ يدَها من يدي، ثم أقبلت عليَّ وقالت:

صلاتُكِ نورٌ والعباد رقودُ … ونومُكِ ضدٌّ للصلاة عتيدُ

وعمركِ غُنْمٌ إنْ عقلتِ ومهلةٌ … يسير ويفنى دائبًا ويبيدُ

ثم غابت عنِّي، واستيقظتُ بنداء الفجر، فوالله ما ذكرتُها فتوهَّمتُها إلا طاش عقلي، وأنكرت نفسي. ثم غُشي على رابعة، فوالله ما نامت بعد هذه الرؤيا بليلٍ حتى ماتت (١).

وقالت زُلفى بنتُ عبد الواحد (٢): قلتُ لرابعة: يا عمَّة، لم لا تأذنين للناس يدخلون عليك؟ فقالت: وما أرجو من الناس؟ إن أتوني حَكَوا عني ما لم أقل أو أفعل ما لو رأيتُه لفزعت منه، واستوحشت منه، بلغني أنهم يقولون: إني أجدُ الدراهم تحت مصلاي، وأطبخُ القدرَ بغير نار، فقلت لها: إنهم يخبرون عنك أنَّك تجدين الطعام والشراب في منزلك: [فهل تجدين شيئًا فيه؟] (٣) فقالت: يا بنتَ أخي، لو وجدتُ في منزلي شيئًا من ذلك ما مسستُه، ولا وضعتُ يدي عليه، ولكنّي أُخبرك أني أشتري الشيءَ فيبارَك لي فيه،

وقال رِباح القَيسيّ: نظرتْ إليَّ رابعة وأنا أُقبِّل صبيًّا [من أهلي] (٤) وأضمه إليَّ، فقالت: رياح، أتحبُّه؟ قلت: نعم، فقالت: ما كنتُ أحسب أنَّ في قلبك موضعًا فارغًا لمحبة غيره.


(١) تاريخ بغداد ٢/ ٣٦٥.
(٢) في (د): بنت عبد الوارث.
(٣) ما بين حاصرتين من تلبيس إبليس ص ٣٦٩.
(٤) ما بين حاصرتين من (د).