للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجهه مثل حبة الخَرْدَل، فلما كان في اليوم الثاني صارت مثل العَدَسة، فلما كان في اليوم الثالث دخلتُ عليه، فإذا هو كالزِّقِّ المنفوخ، ومات في اليوم الثالث.

قال المصنف ﵀: هذا حديثٌ لا يصحّ عن النبي ﷺ، وإنما هو من قولِ أبي هاشمٍ، وقد كان كثير المطالعة لكتب الأوائل والملاحم، فلعلَّه وجد ذلك فيها.

وقال المدائنيّ: هاج الدمُ بأبي العباس، فأشار عليه الأطباء بالفَصْد، فلم يُقدم عليه، فحُمَّ ونزل به الموت، وكان يتقلَّب على الفراش، فيبقى جلدُه على الفراش.

ودخل عليه طبيب فقال له بعضُ عمومته: كيف أصبح أميرُ المؤمنين؟ فقال: أصبَحَ بحمد الله بارئًا، فسَلَتَ أبو العباس بيده لحمَ ذراعه، فانسَلَت وتناثر لحمُه، فقال: كيف أكون بارئًا، أو يكون صالحًا من هذا حالُه؟

وكان قد عزم على البيعة لابنه محمد، ثم فكَّر وقال: هو حدَثٌ، وما عذري عند ربي؟ فقالت له أم سلمة امرأتُه: ولِّ غيرَه، واجعله ثانيًا، فقال: أخاف أن يقصُر عمرُ من أجعله قبله، فتدرك الخلافةُ محمدًا وهو صغير، فيُختلف عليه، فتضيع الأمة، ولكن أُصيِّر الأمرَ إلى مَنْ أثقُ بعقله واحتماله (١)، فكتب اسمَ أبي جعفر، وبعده عيسى بنَ موسى، وجعل العهدَ في منديلٍ وختم عليه بخاتمه، ودفعه إلى عيسى بن علي.

وقال البلاذري: لما قال أبو العباس: من أولِّي؟ قال له عيسى بنُ علي: يا أمير المؤمنين، اُذكر رجلًا تمدُّ الناسُ إليه أعناقَهم بعدك، فقال: كنتُ وعدتُ عبد الله بنَ عليِّ إن قام بهذا الأمر أن أولّيه الخلافة، فقال له عيسى: فانظر؛ فإنَّ ذلك لا يُقدِّم أجلًا ولا يؤخِّره، فسكتَ، واستشار سعيد بنَ عمرو بن جَعْدة المخزوميَّ، فقال: يا أمير المؤمنين لا أشيرُ عليك بشيء، بل أُحدِّثك حديثًا تستدلُّ به، كنت مع مَسْلَمة بن عبد الملك بالقسطنطينية وقد جاءه نعيُ سليمان وولايةُ عمر بن عبد العزيز، فبكى بكاء عظيمًا، وجزع جزعًا شديدًا، فقلت له: لا تجزعْ لموت سليمان، ولكن اجزَعْ لخروج الأمر عن ولد أبيك إلى ولد عمّك، فازداد بكاؤه، فقال السفَّاح: قد فهمتُ، وأخذ بقوله (٢)، وقال: أخذتَ


(١) في (خ): من أثق به وبعقله، والمثبت من (د)، وهو موافق لما في أنساب الأشراف ٣/ ٢٠٢.
(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٢٠٣، وسياقه مختصر مع اختلاف يسير.