للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى ميمنة عبدِ اللهِ بكارُ بنُ مسلم العقيليُّ، وعلى ميسرته حبيبُ بن سُوَيد الأسديُّ، وعلى الخيل عبد الصَّمد بن عليّ، فأقاموا يقتتلون كلّ يوم، فلما كان يوم الثلاثاء لتسع خَلَون (١) من جمادى الآخرة التقوا، فأزالوا أهل خراسان عن مواقفهم وأبو مسلم يرتجز ويقول:

مَنْ كان ينوي أهلَه فلا رَجَعْ … فرَّ من الموت وفي الموت وَقَعْ (٢)

وكان له عريشٌ يجلس فيه إذا التقى الناس ينظر، فإن رأى خللًا بعث إلى صاحبه يأمره بإصلاحه.

ولما انكشف أهل خراسان، وقَتَل عبدُ الصَّمد منهم ثمانية عشر رجلًا ترجَّل أبو مسلم وصاح: يا أهلَ الشام، ويا مَنْ معهم من أهل خراسان، أنا أبو مسلم الذي تعرفوني. وحملت الميمنة والميسرة والقلب، وأتي أبو مسلم بحصان، وقيل له: اركب فما هذا وقته، فركب وصدقوا الحملة، وانهزم أهلُ الشام لا يلوون على شيء، فقال عبدُ الله بن سُراقة: ماذا ترى؟ فقال: أرى أن نقاتل، فإما أن نموت أو الظَّفَر، وإن الفرار عارٌ على مثلك، وقد عبتَه بالأمس على مروان، ألستَ القائل: قبَّح الله مروان! فرَّ من الموت؟ وها أنت تفرُّ من الموت، فلم يلتفت عبد الله إلى قوله، فقال له ابنُ سراقة: وأنا معك، وهرب في البرية إلى البصرة، وترك عسكره بما فيه، فاستولى عليه أبو مسلم، وأمر أن لا يُقتل منهم أحد، وكتب إلى أبي جعفر بالفتح.

وأما عبد الله فسار في البرية في مواليه وأهله حتى قدم البصرة على أخيه سليمان بن علي، فأنزله وأكرمه، وأقام عنده متواريًا، وقصد عبدُ الصَّمد الكوفة مستجيرًا بعيسى بن موسى، فأخذ له أمانًا من أبي جعفر، وأقام عنده.

قال البلاذري: إن حُمَيد بنَ قحطبة أخذ عبد الصمد أسيرًا، وجاء به إلى أبي مسلم، فبعث به إلى أبي جعفر، فيه بعضُ عمومته، فأطلقه (٣).


(١) في تاريخ الطبري ٧/ ٤٧٨: يوم الثلاثاء أو الأربعاء لسبع خلون.
(٢) البيتان في أنساب الأشراف ٣/ ١٢١ مع اختلاف في الترتيب، وهما في تاريخ الطبري ٧/ ٤٧٨ بمثل ترتيب المصنف.
(٣) أنساب الأشراف ٣/ ١٢١، والذي كلمه فيه هو إسماعيل بن علي.