للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال خليفة: كتب أبو جعفر إلى أبي مسلم: احتفظ بما في يدكَ من مال عبد الله بن عليّ، فغضب وعزم على التوجُّه إلى خراسان (١)، فبعث إليه جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجليّ، وكان صديقًا لأبي مسلم كان يعرفه لمَّا كان بخراسان، وكان جرير أوحد زمانه، وكتب معه أبو جعفر: أما بعد؛ فإن المعاصي تطبع على القلوب، وتَرينُ عليها، فأفق أيّها السكران، وقَعْ أيُّها الطائر، وانتبه أيُّها النائم، فإنَّك مغرور بأضغاث أحلام، والسلام.

فلمَّا قرأه أغلظَ لجرير، فما زال يخدعُه حتى صرفَه عن خراسان وأقدمَه من حُلوان إلى المدائن.

وقال أبو اليقظان: لمَّا حجَّ أبو مسلم نزلَ الحيرة، فقيل له: إن ها هنا راهبًا قد أتت عليه مئتا سنة، عنده علمٌ من العلم الأول، فأتاه أبو مسلم فسلَّم عليه، فقال له الراهب: إنَّك قد قمتَ بالكفاية، ولم تزل (٢) في العناية، وقد بلغتَ النهاية، وكأن قد عاينت تلفك، فاغتمَّ أبو مسلم، فقال له الراهب: أحرقتَ نفسك وشتتَّ أمرك، ولم تؤت من حزمٍ وثيق، ولا من رأيٍ أنيق، ولا من تدبيرٍ نافع، ولا من رأيٍ مراجع، وما استجمعَ في أحدٍ أملُه إلَّا أسرعَ في تفريقه أجلُه، والتقدير في يدي من يَبطُل معه التدبير، فانصرف أبو مسلم وقد علم بقربِ أجله، فما عاشَ إلا يسيرًا وقُتل.

[ذكر قدومه على أبي جعفر]

قال أبو أيوب المُورِياني وزير أبي جعفر: كان أبو جعفر نازلًا بالمدائن بمكانٍ يقال له: الرُّوميَّة، وقد كان رؤي لأبي مسلم أنَّه يقتل بالرّومية، وكان يظنُّ أنَّه يُقتَل بالروم.

قال جرير الذي أقدم أبا مسلم إلى المدائن: لما قربنا من المدائن قال لي: يا جرير، أين أميرُ المؤمنين؟ قلت: قريبًا من المدائن، قال: في أيِّ موضع؟ قلت: في صحراءٍ يُقال لها روميّة، فأطرق طويلًا، ثم استرجع وقال: إذا كان كل مقضي كائنًا، فأيّ شيءٍ ينفعُ الحذر؟


(١) تاريخ خليفة ص ٤١٦.
(٢) في تاريخ دمشق ٤٢/ ٣٩٧: تألُ.