للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن الكلبي.

والثاني: خشي أن يضرَّ أخذه منهم ذلك بأبيهم إذ كانت السنةُ سنةَ جدب وقحط فأحبَّ أن ترجع إليه، وإنما قصد أن يتسع بها أبوه.

والثالث: لأنه رأى [لؤمًا] (١) أَخْذَ ثمن الطعام من إخوته وأبيه مع حاجتهم إليه، فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون تكرّمًا وتفضُّلًا.

والرابع: لأنه علم أَن أمانتهم تحملهم على ردِّ البضاعة، وأنهم لا يستحلون إمساكها فيرجعون لأجلها، وطمعًا في كرمه.

والخامس: أنَّه قصد أنهم إذا رأوها لم يروا أخذها مع الطعام لاحتمال أن كيَّال الطعام نسيها فيرجعون إليه، لا لأنهم أَدَّوْا الأمانة، لأن خيانتهم قد ظهرت في حق يوسف، وإنما يرجعون بها لئلا يراهم الملك بعين الخيانة، فلا يمكِّنهم من دخول مصر، فيموتون جوعًا.

فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا قدمنا على خير رجل، أنزلنا وأكرمنا كرامةً لو كان رجلًا من ولد يعقوب لما أكرمنا كرامته، فقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فأقرئوه مني السلام وقولوا له: إن أبانا يصلِّي عليك ويدعو لك بما أوليتنا. ثم قال: أين شمعون؟ قالوا: أخذه الملك رهينةً، وقصوا عليه القصة، قال: ولمَ أخبرتموه؟ قالوا: لأنَّا كلَّمناه بالعبرية فقال: أنتم جواسيس.

﴿قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا﴾ بَنْيامِين ﴿نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [يوسف: ٦٣] فقال يعقوب: ﴿قَال هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيهِ إلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ﴾ يوسف ﴿مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: ٦٤].

قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَينَا﴾ ومعناه: وأي شيء نطلب وراء هذا؟ أَوْفى لنا الكيل وردَّ علينا الثمن، وأرادوا بذلك أن يطيِّبوا نفسَ أبيهم كأنهم قالوا: ما نريد منك دراهم ﴿هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَينَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا﴾ أي: نشتري لهم الطعام فنحمله إليهم، يقال:


(١) ما بين معقوفين من عرائس المجالس ٣٢، وتفسير البغوي ٢/ ٤٣٥، و"زاد المسير" ٤/ ٢٤٩ - ٢٥٠.