للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال يحيى بن سعيد القَطَّان: مكث سليمان في قبة لُبُود (١) ثلاثين سنة، وكان يقرأ آية واحدة يُردِّدُها طول الليل.

وقيل لسليمان: أَنْتَ أَنت. قال: لا تقولوا كذا، لا أدري ما يبدو لي من ربي، ثم قرأ: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزمر: ٤٧].

وكان يقول: إن الرَّجل لَيُذْنِبُ الذنْبَ فيُصبح وعليه مَذَلَّتُه.

وقال السري: قَدَحَ سليمان عينَه (٢)، فنهاه الطبيب أن يُمِسَّها بماء، [فمسَّ فرجَه]، وكان يرى الوضوء من مسِّ الفَرْج، فنزع القُطنة من عينه وتوضّأ، ثم أعاد القُطنة إلى مكانها، وجاء الطبيب فنظر ولم ير شيئًا يُنكره، فقال: انظر، قال: ما أرى شيئًا أُنكره، قال: فإنِّي توضَّأتُ، قال: فإن الله قد رزقك العافية (٣).

وقال مُعتَمر بن سليمان: قال لي أبي حين احتُضر: يَا معتمر، اقرأ عليَّ أحاديث الرُّخَص؛ لعلِّي ألقى الله وأنا حَسنُ الظنِّ به.

وقال رَقَبة بن مَصْقَلة: رأيتُ ربَّ العزَّة سبحانه في المنام فقال لي: يَا رَقَبة، وعزَّتي وجَلالي لأُكرمنَّ مَثوى سليمان التَّيميّ؛ فإنَّه صلى أربعين سنة الغَداة على وضوء العتمة، فأتيتُ سليمان فأخبرتُه، فحدَّثني مئةَ حديث عن رسول الله وقال: هذا لما جئتَني به من البِشارة، فلما كان بعد مدة مات، فرأَيتُه في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وأدناني وقرَّبني، وغَلَّفني (٤) بيده، وقال: هكذا أفعل بأبناء ثلاث وثمانين.

وقال حماد بن سلمة: ما أتينا سليمان التَّيميّ في ساعةٍ يُطاع الله فيها إلَّا وجدناه مطيعًا، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلّيًا، وإن لم يكن في ساعة صلاة وجدناه إما يتوضأ للصلاة، أو عائدًا مريضًا، أو مُشيّعًا جنازة، أو قاعدًا في المسجد يسبِّح، وكنا نرى أنَّه لا يُحسن أن يعصي الله ﷿.

وكانت وفاته بالبصرة.


(١) اللبود: كل شعر أو صوف متلبِّد، وضرب من البُسُط. المعجم الوسيط (لبد).
(٢) قَدَحَ عَينَهُ: إذا أخرج منها الماء الفاسد. تاج العروس (قدح ٧/ ٤٣).
(٣) صفة الصفوة ٣/ ٢٩٩ وما بين معكوفين منه.
(٤) غلّفني: لطخ لحيتي بالطِّيب. اللسان (غلف).