للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر كراهية سكنى بغداد]

قد كره غير واحد من السلف سُكناها والمقام بها، وكان الفُضيل بن عياض لا يرى الصلاة فيها، قال: كانت مَبْقلة لأيتام، أخذها أبو جعفر منهم ولم يعطهم شيئًا، وكان ينهى أصحابه عن المقام بها ويقول: أخبثهم مؤدبهم (١).

وقال بشر الحافي: بغداد ضيقة على المتَّقين، ما ينبغي لمؤمن أن يقيم بها، قيل له: فهذا أَحْمد بن حنبل وأنت مقيمان بها؟! فقال: دفعتنا الضرورة إلى المقام بها كما دفعت الضرورة إلى أكل الميتة.

وسئل الإِمام أَحْمد رحمة الله عليه عن مسألة في الورع فقال: لا أتكلم فيه وأنا آكل من غلَّة بغداد، إنما يتكلم فيه بشر الحافي لأنه لا يأكل من غَلَّتها.

وسئل أَيضًا عن درهم من غلَّة بغداد فقال للسائل: أما غلة بغداد فأنت تعرفها، فأيش تسألني عنها؟

وقال سفيان الثَّوريّ: المتعبِّد في بغداد كالمتعبِّد في الكَنيف.

وكان ابن المبارك كلما أقام يومًا ببغداد تصدق بدينار.

وقيل: كانت تُمسح ويؤدَّى خراجُها، فلما بناها أبو جعفر لم تُمسح بعد ذلك.

وقال الخَطيب: ابتاع أبو جعفر ما بين قنطرة البردان إلى الجسر ولم يؤدِّ ثمنه، ورفع ذلك إلى هارون وابنه المأمون فلم يؤدِّيا شيئًا.

وكان عبد الله بن المبارك يَذمُّ الزَّاهد الذي يسكن بغداد، فقال: [من الخفيف]

أيها الزَّاهدُ الذي لبس الصُّو … ف وأضحى يُعدُّ في الزُّهادِ

الزم الثَّغْرَ والتعبُّدَ فيه … ليس بغداد مسكنَ العبَّادِ

إن بغداد للملوك مناخٌ … ومَحلٌّ للقارئ الصيَّادِ (٢)


(١) في تاريخ بغداد ١/ ٢٩٣: أخبثهم مؤذنوهم.
(٢) انظر تاريخ بغداد ١/ ٢٩٣ - ٢٩٦، ٣١٥ - ٣١٧.