للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عُذْرُه شرٌّ من جُرمه، كذا قولُ إخوة يوسف: ﴿إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾.

وقال مقاتل: أقبلوا يلطمون وجه بنيامين وهو يقول: وشيبةِ إبراهيم ما سرقتُ، ويبكي، وإنما قال ذلك ليقصروا عن ضربه ومعيرته ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ﴾ أي: أضمرها ﴿وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ ومعنى أسرَّها إشارة إلى المقالة فأنَّثَ للكناية و ﴿قَال أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا﴾ أي: شر منزلًا عند الله ممن رميتموه بالسرقة ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ٧٧] أي: تكذبون.

قال مقاتل: ثم إن يوسف أخذ الصواع بيده فنقره (١) ثم أدناه إلى أذنه وقال: هذا الصُّواع يخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلًا وأنكم انطلقتم بأخٍ لكم صغير فألقيتموه في جبٍّ ثم بعتموه، فقام بنيامين وسجد له وقال: أيها الملك سَلْ صواعك هل أخي حيٌّ أم لا؟ فنقره فقال: هو حيٌّ وسوف تراه (٢).

فإن قيل: فالصواع لا ينطق، قلنا: هذا على سبيل المجاز والتوسعة، فقال بنيامين: أيها الملك سَلْ صُواعك فيخبرك بالحق مَن الَّذي سرقه وجعله في رحلي؟ فنقره وقال: إن صواعي غضبان يقول: كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيتَ مع مَنْ كُنْتُ؟ وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا، فغضب روبيل وقال: والله أيها الملك لتَتْرُكَنَّا أو لأصيحنَّ صيحة لا يبقى بمِصْر امرأةٌ حاملٌ إلا وأَلقتْ ما في بطنها، وقامت كلُّ شعرةٍ في جسده فخرجتْ من ثيابه، وكان بنو يعقوب إذا غضب منهم واحد فمسَّه آخر من ولد يعقوب ذهب غضبه فقال يوسف لابنه: قم إليه فَمُسَّهُ، ففعل، فذهب غضبه، فقال روبيل: إن في هذا البلد لبذرًا من بذر يعقوب.

فلما أصرَّ يوسف على أنه لا يسلِّم إليهم أخاهم ﴿قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٧٨] في أفعالك وقبولك لنا.

فإن قيل: فما معنى هذا الإحسان وقد فعل بهم ما فعل؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: أن معناه من المحسنين إن أطلقتَ أخانا. والثاني: بإنزالك إيَّانا وإكرامنا وعدم المؤاخذة بما قلنا.


(١) هنا ينتهي الخرم في (ب) الَّذي أشير إليه قرب.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ١٣٥.