للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خذلَه، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ ولسنا مع ذلك نأمن حوادث الدهر وبغتات الموت قبلَ ما شرعت فيه من قطيعتي، فإنْ عجَّلَ بي أمرٌ كنتَ قد كُفيت مؤنةَ ما اغتممت به، وسترت منك قبيحَ ما أردتَ إظهاره، وإن بقيتُ بعدك لم تكن أوغرتَ صدري وقطعت رحمي، وغير خافٍ عنك أنَّ الشيطان عدوٌّ مضلٌّ مبين، ينزغ بين أهل الحق؛ ليفرِّق جمعهم، ويشتت كلمتَهم، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء، ويتبرَّأ منهم عند حقائق الأمور، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: ٥٢]، ثمَّ وصفَ الذين اتقوا فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠١]، والسلام.

فلمَّا قرأ أبو جعفر كتابَه اشتدَّ غضبُه، وكتب إليه: اسْلُ عنها تنَل منها عوضًا (١) [في الدنيا] (٢)، وتأمن من تبعاتها في الأخرى.

وعاد الجندُ إلى أذاه، فلم يمنعهم أبو جعفر، فكان إذا ركبَ مشوا حوله، ونالوا منه، وقالوا: أنت البقرةُ التي قال الله تعالى: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: ٧١]، وكانوا يجلسونَ على بابه يمنعون من يدخل إليه، فشكاهم إلى أبي جعفر، فقال: إنِّي أخافُ عليك وعلى نفسي، فإنَّ الجندَ قد أُشربوا حبَّ هذا الفتى، فلو قدَّمتَه بين يديك فكان بيني وبينك لكَفّوا، فأجابَ إلى خلع نفسه.

وفي روايةٍ أنَّ عيسى لما امتنعَ من الإجابة، قال أبو جعفر لخالد بن برمك: قد أعيتنَا وجوهُ الحيل، وضلَّ عنا الرأي في عيسى، فهل عندك حيلة؟ قال: نعم، ضمَّ إليَّ رجالًا من أعيان الشيعة، وأذهب إليه أكلمه، فضمَّ إليه ثلاثين رجلًا ومضى إليه، فدخل عليه فكلَّمه، وساعدَه القوم، وما أبقوا في الكلام بقية، وهو يقول: ما كنتُ أخلع نفسي، وقد جعلَ الله لي الأمرَ من بعده، فلمَّا خرجوا من عنده قال لهم خالد: ما عندكم؟ قالوا: تعيدُ على أمير المؤمنين ما قال، فقال: لا، بل نخبره أنَّه قد أجاب، ونشهد عليه أنه قد أنكر (٣)، فقالوا: هذا هو الصواب، فدخلُوا على أبي جعفر، فقالوا: قد


(١) في (خ) و (ب): غرضًا. والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ١٩.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) كذا في (خ) و (ب). وفي تاريخ الطبري ٨/ ٢٠: ونشهد عليه إن أنكره.