للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الربيع: لَمَّا قدم المنصور في هذه الحجَّة المدينة قال: ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتيني به متعبًا (١)، قتلني الله إن لم أقتله، فبعثت إليه فجاء، فقلت: يا أبا عبد الله، اذكر الله، فقد أَرسَلَ إليك لأمرٍ عظيم، فاسترجع جعفر، فلمَّا دخل عليه قال له: أي عدوَّ الله! أنت الذي اتَّخذك أهلُ العراق إمامًا يجبون إليك زكاة أموالهم، وتلحدُ في سلطاني، وتبغيه الغوائل؟ قتلني الله إن لم أقتلك.

فقال: يا أمير المؤمنين، إن سليمان أُعطيَ فشكر، وأيوبَ ابتُليَ فصبر، وإن يوسفَ ظُلِم فغفر، وأنت من ذلك النسخ (٢).

فقال له أبو جعفر: إليَّ، و [أنت] عندي أبا عبد الله البريءُ الساحة، السليمُ الناحية، القليلُ الغائلة، جزاك الله من ذي رحمٍ أفضلَ ما جازى ذوي الأرحام عن أرحامهم.

ثمَّ تناول يده فأجلسَه معه على فرشه، ثم دعا بغاليةٍ فغلَّفه بيده، ثمَّ قال: في حفظ الله وكلاءته.

يا ربيع، الحق أبا عبد الله بجائزته وكسوته، فانصرفَ وتبعته وقلت له: قد رأيتُ العجبَ قبل دخولك وبعده، فأخبرني ما قلت. فقال: إنِّي دعوت بدعاء، قلت: اللهمَّ احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، وارحمني بقدرتك عليّ، لا أهلكُ وأنت رجائي، اللهم إنَّك أكبرُ وأجلُّ مما أخاف وأحذر، اللهمَّ بك أدفع في نحره، وأستعيذُ بك من شرِّه.

وكان العامل في هذه السنة على مكة والطَّائف عبد الصمد عمُّ المنصور، وعلى المدينة جعفر بن سليمان، وعلى الكوفة محمد بن سليمان، وعلى البصرة عقبة بن سلم، وعلى قضائها سوَّار بن عبد الله، وعلى مصر يزيد بن حاتم، وعلى خراسان نوَّابُ المهدي.


(١) كذا في (ب) و (خ)، والمنتظم ٨/ ١٠٦، وفي الفرج بعد الشدة للتنوخي ١/ ٣١٨ - وما سيأتي بين حاصرتين منه-: بغتة. وفي نسخة أشار إليها محققه: بغتًا.
ووقع في الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا (٧٥)، وفي نسخة بهامش الفرج بعد الشدة للتنوخي: تعبًا.
(٢) كذا في (ب) و (خ)، وفي المنتظم ٨/ ١٠٦: الشيخ (تحريف). وفي الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا، والفرج بعد الشدة للتنوخي: السنخ. وهي الصواب. السنخ: الأصل. القاموس (سنخ)، وسبق الخبر في الصفحة ١٥١.