للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذهب ذهبَ بحصتهما. قال: فاستحسنتُ جوابه.

وقال عبد الله بن محمد العقيلي: شهدت بالكوفة وليمةَ أخوين تزوَّجا بأختين، فبني بهما في الليل، واجتمعَ الناسُ صبيحةَ تلك الليلة، وفي الوليمة أبو حنيفة وابن شبرمة والثوريُّ وابنُ أبي ليلى وغيرهم، فأبطؤوا بالطعام، فقيل: ما لهم؟ فقيل: غُلِطَ بالمرأتين فابتنى كلُّ واحدٍ من الأخوين بامرأة الآخر، فسُئل الثوريُّ فقال: لكلِّ واحدةٍ منهما مهر، وتعتدُّ بثلاثة قروء، وترجعُ إلى زوجها إن شاء، وقال كلُّ واحدٍ قولًا فلم يوافق القوم، وأبو حنيفة ساكت، فاجتمعوا إليه وسألوه فقال: عليَّ بالغلامين، فجاءَ فخَلا بكلِّ واحدٍ منهما وقال له: أراغبٌ أنت فيما هجمتَ عليه، فقالا: نعم، فقال: لكلِّ واحد منهما طَلِّق امرأتَك واعقد على التي دَخَلْتَ بها، ففعلا، وكبَّر الناس، وحضرتِ الموائدُ فأكلوا.

وروى الخطيبُ عن الحسن بن زياد اللؤلؤيّ قال: كانت بالكوفة مجنونةٌ يقال لها: أم عمران، وكانت تجلس بالكُناسة، فمرَّ بها رجلٌ فكلَّمها بشيءٍ لم تؤثره، فقالت له: أيا ابن الزانيين، وابن أبي ليلى يسمع، فأمرَ بإدخالها المسجد، وأقام عليها حدَّين؛ حدًّا لأبيه، وحدًا لأمِّه، وبلغ أبا حنيفة فقال: أخطأ في ستة مواضع؛ أقام الحدَّ في المسجد، ولا تقامُ الحدود في المساجد، وضربَها قائمة، ولا تضرب النساءُ قيامًا بل قعودًا، وضربها حدَّين، وإنما تضرب حدًّا واحدًا، وهي مجنونةٌ، والمجنونُ لا حدَّ عليه، وضربها حدين لأبيه وأمه، وهما غائبان، ولا يجوزُ إقامة الحدِّ للغائب حتى يحضر.

قلت: وقد أخطأ ابن أبي ليلى في كونه قَضى بعلمه من غير دعوى؛ لأنَّه قال في أول الحكاية: وابن أبي ليلى يسمع (١).

وسُئل أحمد بن حنبل عن مسألةٍ، فأجاب، فقيل له: إنَّ ابن المبارك لم ينزل من السماء (٢). وقد ينبه الصغيرُ لمَا يخفى على الكبير والمتأخِّر عن المتقدم في كلِّ عصرٍ


(١) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٠. وجاء في هامش (خ) ما نصه. قلت: الظاهر أن يكون بعد الدعوى، وقد طويت في الكلام بناء على متعارف الفقهاء بل العوام من أن الحكم لا يتحقق قبل الدعوى.
وانظر تفسير القرطبي ٨/ ١٥١ - ١٥٢.
(٢) كذا، ولم أقف عليه بهذا السياق. وفي طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ١/ ٣٢٩: سأل رجل أحمد بن حنبل، فقال: أكتب كتب الرأي؟ قال: لا تفعل، عليك بالآثار والحديث. فقال له السائل: إن عبد الله بن المبارك قد كتبها، فقال له أحمد: ابن المبارك لم ينزل من السماء، إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق.