للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوان، وقد قال الله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيمَانَ﴾ [الأنبياء: ٧٩].

وقال عبد الله بن أبي داود الحربي: أرادَ الأعمشُ الحجَّ، فقال: من هاهنا، نذهبُ إلى أبي حنيفة، يكتب لنا منه مناسكَ الحجّ.

فصل في مناظرته لقتادة:

روى النضر بن محمد قال: قدمَ قتادةُ الكوفة، فنزل دارَ أبي بُردة، فجلسَ يومًا للناس، وقد اجتمع إليه أشرافُ الكوفة وعلماؤهم، فقال: لا يسألني اليومَ أحدٌ عن الحلال والحرام إلَّا أجبتُه، فقام إليه أبو حنيفة فقال: يا أبا الخطاب، ما تقولُ في رجلٍ غاب عن أهله أعوامًا، فظنَّتِ امرأتُه أنَّه قد مات، فتزوَّجت، ثمَّ رجعَ زوجُها الأول، ما تقول في صداقها؟ فقال: أَوَقَعَتْ هذه المسألة؟ قال: لا، قال: فلم تسألني عن شيءٍ ما وقع (١)؟ فقال أبو حنيفة: إنَّا نستعد للأشياء قبلَ وقوعها (٢)، فإذا وقعَ الشيءُ عرفنَا الدخول فيه والخروج منه.

فقال: اسألوني عن التفسير، فقال أبو حنيفة: ما تقول في قوله تعالى: ﴿قَال الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: ٤٠] من هو؟ قال: آصف بن برخيا، وكان يعرفُ الاسم الأعظم، فقال أبو حنيفة: أفيجوز أنْ يكون في زمان نبيٍّ من هو أعلم منه؟ فانقطع قتادة (٣).

وفي روايةٍ أنَّ أبا حنيفة سأله فقال له: ما تقول في امرأة غاب زوجها فنُعِيَ إليها، فاعتدَّت ثم تزوَّجت رجلًا، فقدم الأول الغائب؟ فقال لها: كيف تزوَّجْتِ وأنا غائب؟ وقال لها الثاني: كيف تزوَّجتِ ولكِ زوج؟ فقال قتادة: لا أجيبُكم في هذا بشيء، اسألوني عن التفسير، فسأله عن آصف، فقال قتادة: من أين أنت؟ فقال: من أهل الكوفة، فقال: من الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعًا؟ فقال: لا، ولكنِّي أفضِّلُ الشيخين،


(١) في تاريخ بغداد ١٥/ ٤٧٧: فلم تسألني عمَّا يقع.
(٢) في تاريخ بغداد ١٥/ ٤٧٧: للبلاء قبل نزوله.
(٣) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٧٧ - ٤٧٨. قال محققه: إسناده ضعيف، فإن النضر بن محمد القرشي العامري المروزي المتوفى سنة ١٨٣ هـ يبعد أن يكون أدرك الخبر، فإن قتادة توفي سنة ١١٧ تقريبًا ولا نعلم للنضر رواية مبكرة مثل هذه، فهو يروي عن أبي حنيفة وطبقته .. وآثار الوضع ظاهرة عليه.