للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن أبي الدنيا بإسناده قال: كان حيوة من البكائين، وكان ضيِّقَ الحالِ جدًّا، فجلستُ إليه ذات يوم وهو مختلٍ يدعو وحدَه، فقلت له: يرحمُك الله، لو دعوتَ الله يوسِّع عليك في معيشتك؟! قال: فالتفت يمينًا وشمالًا فلم ير أحدًا، فأخذ حصاةً من الأرض وقال: اللهمَّ اجعلها ذهبًا، فإذا هي والله تبرةٌ في كفِّه ما رأيتُ أحسن منها، قال: فرمى بها إليّ وقال: أنفقها، ثمَّ قال: هو أعلمُ بما يصلحُ به عباده.

ورَوى أبو الفضل بن ناصر عن أشياخه أنَّ أبا عون لَمَّا قدم مصر ووليها، وقتلَ من قتل بها، واستولى عليها، أرسلَ إلى حيوة بن شريح، فلمَّا حضر قال: إنَّا معاشر الملوك لا نُعصَى، ومن عصانا قتلناه، وقد ولَّيتُك القضاء، فقال: حتى أُآمر أهلي، قال: اذهب، فجاء إلى أهلِه فاغتسلَ وتطيَّبَ ولبسَ أنظف ثيابه، ثمَّ جاء فدخل عليه فقال: من جعلَ السحرة أولى بما قالوا منا؟ اقضِ ما أنت قاض، لا أتولَّى لك شيئًا، فافعل ما بدا لك، فقال له: قد أعفيتُك فاخرج، فخرجَ من عنده.

أسندَ حيوة عن جماعةٍ من التابعين، ورَوى عنه ابن المبارك، والليثُ بن سعد، وابنُ وهب، وكان ثقةً صدوقًا (١).

[شقيق بن إبراهيم البلخي]

أبو علي، من كبار مشايخ خراسان، له لسانٌ في التوكُّل، وهو أوَّل من تكلَّم بكُورة خراسان في علوم الأحوال، وهو أستاذ حاتم الأصم، وكان له دنيا واسعة، فخرجَ منها، وتزهَّد وصحبَ إبراهيم بن أدهم وغيره.

ذكر طرف من أخباره:

رَوى أبو نعيم الحافظ بإسنادهِ عن عليِّ بن محمد بن شقيق قال: كان لجدِّي ثلاثُ مئة قرية، ولم يكن له كفنٌ يكفَّنُ فيه، قَدَّم ذلك كلَّه بين يديه، وثيابه وسيفه إلى الساعة معلق يتباركون به (٢).

وذكر أبو عبد الله بن خميس في كتاب "مناقب الأبرار" قال: سببُ توبةِ شقيق أنَّه كان من أبناء الأغنياء، فخرجَ في تجارةٍ إلى أرض الترك وهو حَدَثٌ، فدخلَ بيت


(١) المنتظم ٨/ ١٦٨، وتهذيب الكمال ٧/ ٤٧٨، وسير أعلام النبلاء ٦/ ٤٠٤.
(٢) حلية الأولياء ٨/ ٥٩.