للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصنام، فرأى خادمها وقد حلقَ رأسَه ولحيته، ولبسَ ثيابًا أرجوانية، فقال له شقيق: إنَّ لك صانعًا حيًّا عالمًا قادرًا، فاعبده، ولا تعبد هذه الأصنام التي لا تضرُّ ولا تنفع، فقال: إنْ كان قادرًا كما تقول فهو يرزُقك وأنت في بلدِك، فلم تعنَّيتَ إلى ها هنا؟ فانتبه شقيقٌ وأخذ في الطريق (١).

وحكى عنه أبو نعيم الحافظ قال: خرجت من ثلاث مئة ألف درهم، وكنت مرابيًا، ثمَّ لبستُ الصوف عشرين سنة وأنا لا أعلم، حتَّى لقيتُ عبد العزيز بن أبي روَّاد، فقال لي: يا شقيق، ليس الشأنُ في لبس الصوف وأكل خبز الشعير، إنَّما الشأن في المعرفة، وأن تعبدَ الله لا تشرك به شيئًا، قال: فقلت: فسِّر لي هذا، فض ل: جميعُ ما تعملُه يكون لله خالصًا، ثم تلا: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠].

وفي رواية: وتكون بما في يد الله أوثقَ منك بما في أيدي المخلوقين، ثم يكون الإخلاصُ منك في جميع ما تعملُه لله تعالى (٢).

وروى أبو نعيم بإسناده إلى محمد بن أبي عمران قال: سمعتُ حاتمًا الأصمّ يقول: كنَّا مع شقيق البلخيّ، ونحن مصافو الترك، في يومٍ لا أرى فيه إلا رؤوسًا تندَر وسيوفًا تَقطَع، فقال لي شقيق ونحن بين الصَّفَّين: يا حاتم، كيف ترى نفسك في هذا اليوم، تراها مثل الليلة التي زفَّت إليك فيها امرأتك؟ فقلت: لا، فقال: ولكنِّي أرى نفسي والله في مثل تلك الليلة، ثمَّ نام بين الصفين ودرقتُه تحتَ رأسه، حتى سمعتُ غطيطَه (٣).

في "المناقب" قال: فقد عليُّ بن موسى بن ماهان أميرُ بلخ كلبًا للصيد في عنقِه قلادةٌ من ذهب، فسُعِي برجلٍ من جيران شقيق إليه أنَّه أخذَه، فطلبه فهرب، فدخلَ دار شقيق مستجيرًا به، فجاء أعوانه خلفَه، فقام شقيق ومضى إلى الأمير وقال له: لا تتعرَّض له، فبعدَ ثلاثة أيَّامٍ آتيك بالكلب، وأقام شقيق مهتمًا، فلما كان في اليوم الثالث قدم صديقٌ لشقيق من السفر، فوجد الكلبَ بقلادة الذهب في الطويق، فأخذَه وقال: أهديه لشقيق، فجاء بالكلب إلى شقيق، فتحيَّر وقال: هذا كلب الأمير، فحملَه إليه، وبرئ


(١) مناقب الأبرار ١/ ١٧٩.
(٢) حلية الأولياء ٨/ ٥٩ - ٦٠.
(٣) حلية الأولياء ٨/ ٦٤.