للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الضمان. فيقال: إنه سلكَ طريق الفقر بعد ذلك (١).

قال: ودخلتُ البصرة، فوُصف لي رجلٌ من المنقطعين إلى الله تعالى، فقصدتُه ودخلت عليه، فقال: من أنت؟ قلت: شقيقٌ البلخيّ، قال: معلِّمُ أهل خراسان؟ قلت: كذا يقال: قال: ما بلغَ من توكُّلك؟ قلت: استوى عندي الريف والبرِّيَّة، والأمصارُ والفيافي، فنظر إليَّ كالمنكر عليّ وقال: إنَّما يشكُّ في الرزق ويشتغلُ به من يشكُّ في الخالق، ثمَّ قال: لو كنتُ طيرًا ما استحللتُ أن أطيرَ فوق دارٍ أنت ساكنها (٢).

وقال حاتم الأصم: دخل شقيقٌ البلخيُّ الري (٣)، فجاءَه محمد بن مقاتل الرازي قاضيها وفقيهها، فقال له: أشتهي أن تجعلَ مقامَك عندي، قال: أخافُ أن تطَّلع مني على عيب فتبعدني، ثم أرجعُ إليك فلا تقبلني، وأنا مع من يطلعُ منِّي على العيوب فيسترُ عليَّ ويرزقُني، ولم ينزل عليه.

وقال حاتم: قال لي شقيق: حججتُ فطُفتُ بالبيت، ثمَّ نمتُ في جانب المسجد، وإذا قد نزلَ ملكان من السماء، فقال أحدهما لصاحبه: كم حجَّ العام؟ فقال الآخر: ثلاثة، وعدَّهم، فقال: وشقيق فيهم؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: عليه فضلُ ثوبٍ، قال: فلمَّا كان في العام القابل حججتُ في عباءةٍ ورقدتُ في مكاني، وإذا بهما قد نزلا، فقال أحدُهما لصاحبه مثلَ مقالته عام أول، فقال: وفيهم شقيق؟ قال: نعم، وقد شفَّعه الله في كلِّ من حجّ.

قلت: فضلُ ثوبٍ لا يمنعُ من قَبول الحج، وإنَّما شقيق كان يشيرُ إلى التجرُّد المحض والتوكُّل السديد، فعوقِبَ على قدر ما كان يشيرُ إليه.

ذكر المختار من كلامه:

حكى أبو نعيم عنه أنَّه قال لحاتم الأصمّ: اصْحَبِ الناس مثلما تصحبُ النَّار، خُذْ منفعتها واحذر أن تحرقك (٤).

وحكى عنه في "المناقب" أنَّه قال: قرأتُ القرآن عشرين سنة حتى ميَّزتُ الدنيا من


(١) مناقب الأبرار ١/ ١٨١.
(٢) مناقب الأبرار ١/ ١٨٤.
(٣) في (خ): الذي. وفوقها: (كذا). والمثبت من مناقب الأبرار ١/ ١٨٥، وهو الصواب.
(٤) حلية الأولياء ٨/ ٧٧ (ترجمة حاتم الأصم).