للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: أليسَ ترى ما قد صنع بي؟ قلت: بلى، فقال: وعزته لو أنَّه صبَّ عليَّ من السماء نارًا فأحرقتني، وأمرَ الجبال فدمَّرتني، والبحارَ فغرقتني، والأرض فخسفت بي ما ازددتُ له إلَّا حبًّا وشكرًا.

وفي رواية: أفلا أحمدُه حيث أبلى جوارحي وأنطقَ لساني بذكرِه، أو أطلق لساني.

ثمَّ قال: لي إليك حاجة، كان لي ابنٌ يتعاهدني في وقت صلاتي ولطعمني عند إفطاري، وقد فقد منذ أمس، فانظر هل تحسُّه (١) لي؟ قال: فقلت: إنَّ في قضاء حاجةِ هذا العبد الصالح قربةٌ إلى الله تعالى، فخرجتُ في طلبه، وإذا بالسبعِ قد افترسَه في كثيب رمل، وهو يأكله، فقلت: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، كيف أخبرُ هذا العبدَ الصالح بمثل هذا؟ قال: فأتيته، فقلت له: أيُّما أفضل مرتبةً عند الله وأكرم، أنت أم أيوب؟ فقال: أيوب قلت: فإنَّ الله ابتلاه فصبر، قال: بلى، فأخبرته بخبر ولده، فقال: الحمدُ لله الَّذي لم يجعل في قلبي حسرةً من الدنيا، ثم شهق شهقةً فمات، فقلت: إنَّا لله! من يعينني على غسلِه ودفنه؟ وإذا بركبٍ يويدون الرِّباط، فأشرتُ إليهم فأقبلوا، فأخبرتُهم خبرَه، فنزلوا فغسلناه من ماء البحر، وصلَّيتُ عليه وهم خلفي، ودفناه في مظلته، ومضوا، ونمتُ عندَه تلك الليلة، فرأيته في المنام في روضةٍ خضراء وعليه ثيابٌ خضر، وهو قائمٌ يتلو القرآن، فسلَّمتُ عليه، فردَّ، فقلتُ له: بم صرتَ إلى هذا؟ فقال: وردتُ من الصابرين درجة لم ينالوها إلَّا بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء.

فقال الأوزاعي: فما زلت أحبُّ ذلك البلاء منذ حدثني الحكيمُ بهذا الحديث (٢).

[محمد بن طارق المكي]

من الطبقة الثَّالثة من أهل مكَّة، كان زاهدًا عابدًا ورعًا.

قال أبو نعيم الحافظ بإسناده عن محمد بن فضيل قال: رأيتُ في الطوافِ محمد بن طارق وقد انفرجَ له أهلُ الطواف، فحزروا طوافَه في اليوم والليلة فكان عشرة فراسخ.

وقال أبو نعيم: وبه ضَرَب المثلَ ابنُ شبرمة فقال: [من البسيط]


(١) في (ج). تجبيه. والمثبت من تاريخ دمشق ٦٠/ ٢٢٤.
(٢) تاريخ دمشق ٦٠/ ٢٢٣ - ٢٢٥ (طبعة مجمع اللغة).