للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى ابن باكويه عن عبد الله بن الفرج (١) العابد قال: اطَّلعت يومًا على إبراهيم بن أدهم وهو نائمٌ في بستان بالشام، وعندَ رأسه أفعى في فيها طاقةُ نرجس، وهي تروِّحُ عليه.

وحكى القاضي أبو عبد الله الحسين بن نصر بن محمد بن خميس الموصلي في كتاب "مناقب الأبرار" طرفًا من أخبار ابن أدهم، فحكَى عن سهل بن عبد الله (٢) قال: صحبتُ إبراهيم بن أدهم، فمرضت، وكان معه نفقة قد أخذها من نِظَارة البساتين، فأنفقها عليَّ، فنفدت، فاشتهيتُ شهوةً فباع حمارَه، واشترى في ما طلبت، فلمَّا تماثلتُ قلت: أين الحمار؟ قال: بعته، قلت: لم ذاك؟ قال: لأجل حاجتك التي أردت، قلت: فعلامَ أركب؟ قال: عنقي، فحملني ثلاثة منازل.

وفي "المناقب" عن إبراهيم بن بشار قال: أسرينا ليلةً وليس معنا شيء، ولا لنا ما نفطرُ عليه، فرآني حزينًا مهمومًا، فقال: يا ابن بشار، لا تهتمّ، ماذا أنعمَ الله على الفقراء من الراحة في الدنيا والنعيم في الآخرة، وإنما يَسأل ويُحاسِب هؤلاء المساكين، أغنياء في الدنيا فقراء يوم القيامة، أعزَّة في الدنيا أذلَّة في الآخرة، لا تحزن، فرزقُ الله مضمون، وها هو سيأتيك عن قريب، نحن والله الذين تعجَّلنا الراحةَ في الدنيا لا نبالي على أي حالٍ أصبحنا من الدنيا وأمسينا إذا أطعنا الله، ثمَّ قال إلى صلاته، وإذا برجلٍ قد جاء بثمانية أرغفةٍ وتمرٍ كثير، فوضعَه بين أيدينا، وقال: كلوا يرحمكم الله، فسلَّم إبراهيم من صلاته وقال: كل يا مغموم، فدخلَ سائلٌ، فقال: أطعمونا لله، فاعطاهُ ثلاثةَ أرغفة، وأعطاني ثلاثة، وأخذ هو رغيفين، وقال: المواساةُ من أخلاق المؤمنين (٣).

قال: وقال ابن بشار: خرجتُ أنا وإبراهيم وأبو يوسف الغسولي نريدُ الإسكندرية، فمررنا بنهر الأردن، فقعدنَا في مكانٍ نستريحُ، وكان مع أبي يوسف كسيرات يابسة، فألقاها بين أيدينا، فأكلناها وحمدنا الله تعالى، وقام إبراهيم فدخلَ النهرَ فخاضه إلى ركبتيه، ثم سمَّى وشرب بكفيه ثلاثًا حتى روي، ثمّ خرجَ من النهر، فمدَّ رجليه وقعد وقال: لو علم الملوكُ وأبناء الملوك ما نحنُ فيه من لذيذ العيش لجالدونا عليه بالسيوف أيَّام الدنيا، أو أيام الحياة، لا نُسألُ عن حجّ ولا زكاة، قال: فقلت: طلبُوا الراحةَ


(١) في (خ): عبد الله بن أبي الفرج. والتصويب من تاريخ دمشق ٢/ ٣٩٢، وصفة الصفوة ٤/ ١٥٧.
(٢) في مناقب الأبرار: سهل بن إبراهيم.
(٣) مناقب الأبرار ١/ ٥٢ - ٥٣.